غاية الأمر أنه يعبر عن هذا الهتك بالعصيان إذا أصاب قطعه الواقع، وبالتجري إذا أخطأ. وبما أن ميزان الصدق هو انتساب ذات المقطوع به إلى المولى وأنه قطع بطلب المولى فلا يضر بصدق الهتك انكشاف خطئه في قطعه.
ومنه تبين أن عنوان التجري - كعنوان المعصية - عنوان متأخر عن مرتبة ذات العمل الموضوع للمصلحة والمفسدة، وللأمر والنهي، وكالمتفرع على طلب المولى وتكاليفه، فمرتبته مرتبة العصيان والامتثال، ومن قبيل المتفرعات على مفاد الهيئات لا المواد.
فلا نتوقع من ترتب استحقاق العقاب على التجري أن يكون ذات العمل بعنوانه الذاتي قبيحا حتى يقال - كما في الكفاية وغيرها - بعدم حدوث ما يغير حسنه، بداهة بقاء قتل الابن على ما كان عليه من المفسدة وإن قطع بوجوبه خطأ، بل نقول: إن القبيح هو العمل الخارجي بما أنه هتك لحرمة المولى، كما كان كذلك في استقباح العصيان الحقيقي، فقبح العصيان من لوازم مفاد الهيئات، وعن آثار التكليف، لا من لوازم المادة ومن آثار الملاك، وهكذا الأمر في التجري.
وليس القصد إلى مقطوع الحرمة أو الوجوب بما أنه مقطوع ملاك صدق التجري، بل القطع كما عرفت حيثية تعليلية، وعلة لكون الفعل أو الترك الخارجي مصداق العصيان أو التجري، وعليه فلا يضر كون عنوان المقطوع غير ملتفت إليه ولا مقصودا.
كما أن تمام الملاك لكون الفعل لا مبالاة هتكا بالمولى عدم القيام مقام الإطاعة لما يراه واجبا أو حراما، وهو لا يتوقف على أزيد من الإتيان بفعل يقطع بكونه معصية للمولى، ولا يحتاج إلى قصد هتك جناب المولى بعنوانه، بل إذا دعاه شقوته إلى العمل لكان عمله هتكا لحرمة المولى، ومصداقا للمعصية مع الإصابة، وللتجري مع الخطأ، فلا يرد عليه ما في الدرر (1).