تكون في الغالب مشتملة على مصالح ومفاسد هي الداعية على الأمر بها أو النهي عنها، فهي تترتب عليها وإن لم يتعلق بها أمر أو نهي، بل ربما كانت تتشكل بأشكال وصور برزخية مناسبة لها، متفرقة عن النفس، أو حالة وملكة لها، يتنعم العبد بها أو يعذب، وفي الأخبار بل الآيات ما يدل على كلا الأمرين، إلا أنه ليس شئ منهما مرادا في هذا المقام.
بل المقصود هنا: أن المولى إذا أمر العبد بشئ أو نهاه عنه مولويا فأطاع العبد أمره أو نهيه أو عصاه ولم يعتن به فهل هو يستحق جزاء حسنا وثوابا بإطاعته، أو يستحق عليه المولى أن يعاقبه بمعصيته؟
والإطاعة أو العصيان يتصور على نحوين: فتارة يراد بهما مجرد الإتيان بالمأمور به وترك المنهي عنه، أو ترك المأمور به وإتيان المنهي عنه، وأخرى يراد منهما قصد العبد إلى عنوان الإطاعة أو المعصية، المتحقق في المعنى الأول بأن ترك شرب الخمر، لأنه إطاعة نهى المولى، أو أتى به - نعوذ بالله - لأنه معصية الله تعالى.
وكيف كان فقد نفى الريب في الكفاية عن استحقاق العقوبة على المخالفة، والمثوبة على الإطاعة.
والحق أن يقال: إن الله موالى الموالي الذي قد أعطى عبيده كمال الوجود وكمالات الوجود، وكان أصل وجود العبد وما يتنعم به وكمالات وجوده منه تبارك وتعالى، وهو ملك له تعالى بحقيقة معنى الملك والسلطنة، فالعقل يحكم قطعا بان لهذا المولى حق أن يأمر العبد أو ينهاه مولويا، وأنه إذا عصى العبد هذا المولى فالمولى يستحق عليه أن يعاقبه، وكان استحقاقه للعذاب في ما إذا قصد إلى عنوان المعصية أشد وأقوى مما إذا عصاه بمجرد اللامبالاة بأمره ونهيه، وغلبته شقوته، فهو قد استحق في مورد العمد إلى عنوان المعصية استحقاقين، لأنه هتك حرمة المولى هتكين هتكا بعدم المبالاة بطلبه، وهتكا آخر قد صار في مقام الطغيان عليه نعوذ بالله، وهذا مما لا ينبغي الريب فيه.