لمكان أن مدلوله رفعها عن الأمة، لا رفع ذواتها بقول مطلق، وإلا فلو كان مدلوله المطابقي رفع هذه الذوات لما كان محيص عن المصير إلى النفي الادعائي، كما هو الطريق المنحصر على التحقيق في كل الموارد التي لا يمكن إرادة المعنى الحقيقي، سواء في ذلك موارد المجاز في الكلمة أو غيرها، كما لا يخفى.
إذا عرفت هذه الأمور نقول:
إن هذه العناوين الستة قد تتعلق بالأحكام الوضعية، وقد تتعلق بالأحكام التكليفية الإلزامية، والتكليفية تارة مستقلة، وأخرى من قبيل الأجزاء والشرائط.
أما التكليفية المستقلة: فكما لو أكره أو اضطر إلى شرب الخمر، فشرب الخمر مصداق لما أكره عليه أو اضطر إليه، وهو ثقيل على المكلف، لأنه مخالفة لتكليف " حرمت عليكم الخمر " فيوجب الحد الشرعي واستحقاق العقاب الأخروي، فهو بثقله - وهو ثقل المخالفة والمؤاخذة - يرفع عن عاتق المكلف، ولا بأس عليه في ارتكابه، وهكذا الأمر إذا تعلق به النسيان أو الخطأ أو لم يعلمه. وإذا لم يطق الصوم - مثلا - فنفس الصوم مصداق ما لا يطيقون، وهو ثقيل على المكلف، لأنه لا يطيق إتيانه، وقد أوجبه الله عليه، فثقله ثقل نفس التكليف والإلزام، فيرفع الصوم بثقله عنه.
وهكذا الأمر فيما إذا أكره على ترك الصلاة في جميع الوقت، فإن تركها مصداق لما " أكرهوا عليه "، وهو ثقيل على المكلف، فإنه مخالفة للواجب موجبة للتعزير الدنيوي والعقاب الأخروي، وللقضاء خارج الوقت، وكل ذلك ثقل على المكلف أوجبه عليه إكراه المكره على الترك، فيرفع هذا الأمر الثقيل بجميع ثقله عن عاتقه، بحيث لا يكون على عاتقه من الثقل أثر أصلا، فإطلاقه ومقتضى رفعه بالمرة أن لا يستحق تعزير الدنيا، ولا عذاب الآخرة، ولا القضاء خارج الوقت.
نعم، لو أكرهه على ترك الصلاة في وقت الفضيلة - مثلا - فلا يترتب من تركها أمر عليه ثقيل، فإن وجوب الإتيان بها في بقية الوقت مما يقتضيه نفس التكليف بالواجب الموسع، لا أنه أمر جديد أتى من ناحية الإكراه، وفوت الفضل ليس إلا فوات نفع، لا تحميل ثقل وضرر.