ومنه تعرف بطلان تخيل أن إرادة هذا المعنى مساوق لحمل الكلام على اللغو، فكيف يتخيل وهو رافع للحيرة، وقد وقع ونقل نظيره عن أبي الأئمة (عليهم السلام)؟
والإمام (عليه السلام) بصدد قانون كلي وضابطة عامة، هي: " أنه لا بأس بإتيان الأشياء قبل أن ينهى الشارع عنها، ولا يختص هذا المعنى بما بعد زمان صدور هذا الحديث لكي يقال: إن الشريعة قد كملت في زمان الصادق (عليه السلام)، فلا فائدة في بيانه حينئذ، فلا بد وأن يحمل الورود على الوصول.
وبالجملة: فمفاد الحديث بيان قاعدة كلية عملية ينتفع بها المكلفون، وليست مجرد بيان حكم عقلي هو أن الأصل في الأشياء قبل النهي عنها الإباحة، وإن استفيد منه، بل المراد به ومفاده رفع حيرة المكلفين وبيان وظيفتهم، كما هو شأن الإمام في بعد تبيين الأحكام. وعليه فما في نهاية الدراية (1) وتهذيب دراسات سيدنا الأستاذ (2) - قدس سرهما الشريف - من الاستناد إلى مثل هذه الأمور لحمل " الورود " المذكور فيه على ما يساوق الوصول مما لا يمكننا المساعدة عليه.
فمما ذكرنا من كون الورود المذكور غاية للإطلاق أمرا واقعيا يجتمع مع الشك في الحكم تعرف:
أولا: أنه غير قاعدة حل الأشياء ما لم يعلم حرمته.
وثانيا: أنه مع احتمال ورود النهي واقعا لا يصح الاستناد لإطلاق المورد وإباحته إلى الحديث، فإنه من قبيل التمسك بالعام في شبهته المصداقية.
نعم لا بأس باستصحاب عدم ورود النهي، وإثبات ما هو موضوع للقاعدة المذكورة في الحديث المبارك، فتنطبق القاعدة عليه، ويدل الحديث على إطلاقه، كما في جميع موارد استصحاب موضوعات الأحكام، غاية الأمر أن الدليل المنطبق في سائر الموارد مدلوله حكم شرعي مجعول من أحد الأحكام الخمسة التكليفية مثلا، وهنا مدلوله قاعدة كلية مشتركة مع الأحكام في تعيين وظيفة