هذا كله في الأحكام الوضعية.
وأما ما كان من الموضوعات الشرعية من قبيل الأمور الخارجية فقد عرفت أنها غير قابل لأن يحكم عليه بالرفع بمثل هذا الحديث المتكفل لرفع الأمور التشريعية، ولعل من هذا القبيل الطهارة والنجاسة، فإن النجاسة لا يبعد أن تكون قذارة خارجية تكوينية أو سياسية، فالابتلاء بها وإن كان بسبب الخطأ والنسيان، أو الجهل، أو الاضطرار ونحوها لا يوجب أن يحكم عليها برفع نفسها بحديث الرفع. وأما رفع آثارها الجعلية فإن كان الابتلاء بعدم ترتيب الآثار الشرعية مشمولا لأحد العناوين الستة - كأن صلى في النجس خطأ أو نسيانا وأمثاله - فلا ينبغي الريب في شمول الحديث له. وأما إذا كان صدق العنوان في الابتلاء بملاقاة نفس النجاسة لا في ترك ترتيب آثارها الجعلية الشرعية - كأن لاقى يده أو لباسه النجس خطأ أو نسيانا، فتذكر والتفت وأراد الصلاة في لباسه النجس أو يده النجسة ذاكرا لنجاستهما - فلا وجه لإجراء حديث الرفع والحكم بصحة صلاته.
وينبغي التنبيه هنا على أمر، وهو: أن المرفوع بالحديث في موارد جريانه هل هو نفس الحكم الشرعي حتى يكون الحديث حاكما على أدله إثباته مخرجا للمورد عن تحت عمومها أو إطلاقها، أو أن المرفوع به تنجز الحكم حتى يكون الحديث دليلا مرخصا لمخالفة الأحكام وموجبا للعذر للمكلف فيها؟
مقتضى كلمات الأعلام الأول، فإنهم يقررون دلالته بأن مفاده نفي ما يكره عليه أو يضطر إليه مثلا، ونفيه نفي ادعائي يلزمه نفي جميع آثاره الشرعية نفيا حقيقيا، اللهم إلا في مورد الجهل بالحكم أو الموضوع، فإن الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل بالأحكام أو الموضوعات.
إلا أن الحق هو الثاني، وذلك لما عرفت من أن مفاد الحديث ليس نفي الأمور المذكورة ورفعها، بل رفعها عن أفراد الأمة، ومعنى رفعها عنهم. رفع ثقلها عن عاتقهم، وكونها ثقيلا متقوم بأن يكون الأحكام الثابتة في موردها منجزة لا يعذر المكلف فيها، فلو كان المكلف لطرو هذه العناوين معذورا في مخالفتها بحيث