العقل العملي ولا العقلاء بوجوب موافقة القطع أزيد من هذه المنجزية. نعم، لا تضايق من التعبير بالوجوب الإرشادي، لئلا يقع في عقاب مخالفة التكليف المنجز.
وكيف كان فقد تعد هذه المعذرية والمنجزية من لوازم القطع وذاتياته، ولو بذاتي باب البرهان، فيقال بامتناع جعلها له جعلا تأليفيا، كما في الكفاية وغيرها.
إلا أن التحقيق خلافه، فإن ذاتي باب البرهان: إما أن يكون نفس ذاتي باب الكليات الخمس، وإما أن يكون من الأعراض اللازمة وما بحكمها. ومن المعلوم أن المنجزية ليست جنسا للقطع ولا فصلا ولا نوعا، كما أنها ليست من الأعراض الخارجية له، كالحرارة والبرودة للماء والبياض للجص، بل إن مجرد وضع القطع لا يكفي لانتزاع هذه الصفة عنه، كما ينتزع الإمكان من الماهيات أو الوجودات الإمكانية.
فبالجملة: ليست صفة المنجزية للقطع من أي أقسام الذاتي المتصورة، بل لو ثبتت له فإنما هي من الأحكام التي يحكم بها له العقل العملي الذي وظيفته الحكم في ما يتعلق بتنظيم أمور الأشخاص والجوامع، إذ يحكم بها العقلاء بما أنهم عقلاء لهم هذا العقل العملي.
والإنصاف أن العقلاء وذاك العقل يحكم بها للقطع، ويرونه حجة بين الموالي والعبيد في باب الإطاعة والعصيان، والشارع الأقدس قد أمضى هذا الحكم العقلي والطريقة العقلائية، بدليل أن الأنبياء (عليهم السلام) إنما بينوا أحكام الله تعالى النازلة عليهم للناس، ولم يشرعوا طريقا خاصا لمقام الإطاعة، فيفهم كل أحد أن الطريق للطاعة والمعصية بعينه هو الطريقة المألوفة في ذلك عند العقلاء أنفسهم.
وحينئذ يقع الكلام في أنه هل للشارع أن يتصرف في هذا الحكم العقلي ويمنع عن حجية بعض أقسام القطع، كالقطع الحاصل من القياس، أو من الرمل والاسطرلاب مثلا؟
قد شاع في كلماتهم القول بامتناع ذلك، واستدل له تارة بأن الطريقية