والمنجزية ذاتي للقطع، والذاتي لا يختلف ولا يتخلف، وأخرى بأنه يلزم منه اجتماع الضدين أو النقيضين اعتقادا مطلقا وحقيقة في صورة الإصابة.
أقول: والوجهان كما ترى: أما الأول فلما عرفت من أن المنجزية للقطع حكم عقلي عقلائي له، وليست من ذاتياته ولوازمه.
وأما الثاني: فلأن لزوم التضاد أو التناقض مبني على استلزام المنع عن التنجيز لجعل حكم آخر مضاد أو مناقض للمقطوع، وهو ممنوع، فإن المنع عن المنجزية إنما هو تصرف في مرحلة لزوم إطاعة الحكم لا غير، فلا ينافي أن لا يكون في البين إلا حكم واحد هو الحكم الواقعي، فكما أن العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان والشرع يحكم برفع ما لا يعلمون، وبعد قيام الدليل على اشتراك الحكم بين الجاهل والعالم، يكون هذا الحكم العقلي والشرعي راجعا إلى عدم تنجز الحكم الواقعي بالجهل. وكما أن العقل يجوز الترخيص للعاجز عن الامتثال في ترك الامتثال، مع بقاء شمول التكليف له، فهكذا لا مانع من أن يجعل المولى - العالم بالمصالح - الاستناد في تحصيل القطع إلى القياس موجبا لعدم تنجز التكليف ولو مع إصابة القطع للواقع.
وبالجملة: فالحكم الواقعي هنا واحد فعلي، وهو ما شرعه الله تعالى في الواقع، أصاب القطع إليه أم أخطأ، والمانع الذي يجعل مانعا يمنع عن تنجزه كما منع الجهل عنه في مورده. نعم ما لم يدل دليل على هذا المنع كان المتبع هو ذلك الحكم العقلائي كما عرفت...
ومنه تعرف أن القول بالعلية التامة للقطع بالنسبة إلى تنجز الحكم المقطوع به، وأن الترخيص في خلافه ترخيص في المعصية ليس على ما ينبغي، بل هو مقتض للتنجز، والترخيص ترخيص في مخالفته، كما في موارد الجهل فلا يصل مرتبة التنجز، لكي تكون مخالفته معصيته، ويكون ترخيصا في المعصية، كما لا يخفى.
والحاصل: أن الحكم بعد هذا المنع يتوقف في مرحلة الفعلية كما في موارد الجهل والظنون الغير المعتبرة، ولا يترتب على مخالفته العقاب، كما في سائر