الاستقلال مشكوك تجري البراءة عنه، فلا يجب إلا الوضوء الواقع بعد الموجب، ووضوء واحد مصداق لكلتا الطبيعتين كما لا يخفى.
وأما إن كان الأمر في كل منهما دائرا بين متباينين، أحدهما موجب للتصادق دون الآخر، فلا محالة الاشتغال اليقيني بتكليفين يستدعي البراءة اليقينية عنه كما لا يخفى.
هذا إذا كان الجزاء تكليفا محضا.
وأما إذا كان مرتبا على أمر وضعي، فالظاهر هو الحكم بالاشتغال والاحتياط مطلقا، أما في ما كان ذلك الأمر الوضعي واحدا فواضح كما مر، وأما إذا كان تعدد الحكم التكليفي تابعا لتعدد الوضع، فالمفروض هنا تعدد التكليف فيكشف عن تعدد الوضع، واجراء البراءة في التكليف المسبب لا يرفع الشك عن سببه، واحتمال بقائه محكوم بالبقاء بالاستصحاب، فيترتب عليه آثاره.
ومما ذكرنا تعرف النظر في إطلاق كلمات أصحابنا الأعلام (قدس سرهم) في كلا مقامي الشك، فراجع.
إذا عرفت هذه الأمور: فنقول: إنه قد مر في أثناء المباحث الماضية أن هيأة الأمر ليس مدلولها خصوص البعث، بل مدلولها البعث نحو الإتيان، والمادة إنما تدل على المعنى الاسم المصدري، بل المادة في جميع الصيغ والهيئات تدل على معنى اسم المصدر، والهيأة تدل على الإتيان به دلالة وحكاية تصورية كما في المصدر، أو تصديقية كما في الأفعال، وهيأة الأمر والنهي من قبيل الأفعال.
وبالجملة: فإذا علق الجزاء على الشرط فالمفهوم منه عرفا أن ذاك الإتيان الذي جزء مدلول الهيأة مقيد بكونه بعد صدق الشرط وتحققه، فإذا قال: إن جاء زيد فأكرمه، أو إذا بلت فتوضأ، فالمفهوم منه وجوب كون الإتيان بالاكرام والوضوء بعدما صدق مفاد جاء وبلت، وهذا فيما كان الشرط من الظروف أوضح، وفي سائر أداة الشرط أيضا واضح.
وعليه فالهيئة وإن وردت بمفادها على نفس الطبيعة، أعني اسم المصدر، الا