الأمرين من الوضع قد عرفت تعارض الشرطين، فلا ظهور سالم حتى يؤخذ به، وعلى القول: باستفادة الانحصار من الانصراف، فنفي احتمال الضميمة مسلم، كما مر، إلا أنه لا دليل فيهما على نفي احتمال استقلال ثالث، وعلى الوجهين الأخيرين ينفي احتمال الثالث، إذ تعارض الاطلاقين إنما هو في خصوص الشرط الآخر، فغاية الأمر سقوطهما عن الحجية بالنسبة إليه، وأما الثالث فكلاهما متطابقان على نفيه مطلقا. هذا كلامه " دامت بركاته ".
أقول: لا ينبغي الشك في أن القائل: بالوضع للعلية المنحصرة لا يقول: بوضعها لهذا المفهوم الاسمي، ولا مفهومها الحرفي، نظير وضع من للابتداء الحرفي، إذ هو لا ينكر التعليق المستفاد من أداة الشرط، بل ما نفهمه وندعي أنه بالقرينة وكون المتكلم في مقام التحديد - مثلا - يدعي هو أن أداة الشرط قد وضعت لنفس ذلك المعنى، ولا ينبغي الشك في أن المتكلم الذي في مقام التحديد إن قال: إذا خفى الجدران يجب عليك القصر إلا إذا سرت فرسخين - مثلا - فإنه يجب القصر أيضا وإن لم يخف الجدران، فهذا الاستثناء في مقام التحديد لا يعد مستهجنا عرفا، ولا يوجب عدم ظهور التحديد بنفسه في الانحصار، بل هو مع كونه ظاهرا فيه أريد منه الانحصار بنحو قابل لورود التقييد والاستثناء عليه، فكما كان قوله: أكرم العلماء إلا زيدا إنما يوجب أن يتصرف في الإرادة الجدية، مع بقاء المعنى المستعمل فيه أعني العموم بحاله، فهكذا اخراج بعض الأفراد هنا لا يوجب أن لا يستعمل أداة الشرط في معناها الموضوع له، بل إنما يوجب ورود نحو تقييد عليه وتصرف في المراد الجدي، وحينئذ فلما كان كل من الشرطين، يدل على ثبوت الجزاء عند ثبوته، وهذا المعنى خاص مطلق بالنسبة إلى ما يدل عليه أداة الشرط من الانحصار، فلا محالة يجمع بينهما بالتقييد به فقط في الانحصار، ويكون ظهور كل منهما باقيا في جميع مفاده، كما كان ينفى به احتمال دخالة ضميمة أو استقلال علة ثالثة.
ومنه تعرف أنه لو قلنا: بالانصراف إلى الانحصار، فهو أمر قابل للتقييد،