فحيث إن الظهور الانصرافي قد انعقد وتم، فإنما يرفع اليد عنه بمقدار دلالة الدليل على خلافه، أعني مفاد الشرط الآخر.
وأما ما أفاده في الوجه الأخير - أعني استفادة كلا الاستقلال والانحصار من الاطلاق - من تعارض الاطلاقات وعدم رجحان لرفع اليد عن الاطلاق المفيد للانحصار، ففيه: أن الاطلاق المفيد للاستقلال في كل منهما خاص مطلق بالنسبة إلى الاطلاق المفيد للانحصار في المنطوق، ويتبعه المفهوم كما عرفت، فإن مقتضى اطلاق الانحصار أن الجزاء يتحقق به في جميع الموارد، سبقه شئ أو لحقه أو قارنه - مثلا - واطلاق الاستقلال في الشرط الآخر أن هذا الشرط نفسه يوجب تحقق الجزاء، فلا محالة يوجب أن لا يتحقق بذلك الشرط، إذا سبقه هذا الشرط أو قارنه، وهو خاص مطلق يقدم عليه، وهكذا سائر تقريبات الاطلاق، هذا هو الكلام بوجه صناعي، وإلا فالعرف لا يشك في الحكم بترتب الجزاء على كل من الشرطين، ولا في الحكم بنفي الثالث، إذا سلم أن الشرطية لها مفهوم وضعا أو بالقرينة. هذا.
ثم إنه قد وقع في كلام سيدنا الأستاذ الأعظم - مد ظله - وكلمات المحقق النائيني (قدس سره): أن الاطلاق المفيد للانحصار مترتب على الاطلاق المفيد للعلية التامة، وقد صار هذا الترتب منشأ توهم الانحلال والعلم بورود التقييد على اطلاق الانحصار، ولذلك أجابا عن هذا التوهم بما هو قريب المأخذ من الاخر.
والظاهر أنه لا وجه لتسليم الترتب، وذلك أنه إذا قال المولى: إن جاءك زيد فأكرمه، فمفاد القضية بحكم الوضع - على الفرض - دخالة المجئ في وجوب الإكرام، فاطلاق ترتب الوجوب على المجئ وعدم الإتيان بضميمة يقتضي الاستقلال، وإطلاق ان هذا الترتب والدخالة لم يقيد بوقت دون وقت ولم يذكر له عدل، يقتضي كون دخالته في جميع الموارد لا ينوبه شئ آخر، وضم الاطلاقين أفاد أنه علة منحصرة وعليه فرفع اليد عن استقلاله لا يلازم رفع اليد عن اطلاق دخالته، كالعكس، وحينئذ فإذا ورد " ان سلم عليك زيد فأكرمه " فاطلاق