الوجوب بطبيعة الواجب على نحو البدلية.
وعليه فنقول طبقا على ما مر: إنه لا ريب في أنه قد تعلق من المولى إرادة حتمية ووجوب قطعي بهذه الطبيعة الواجبة، واجتماعها مع فرد محرم، واتحادها معه لم يوجب تقييدا في متعلق الوجوب والإرادة، إذ الوجوب أو الحب أو الإرادة إنما يتعلق بما يقوم به الملاك الداعي إليه، وهذا الملاك إنما يقوم بنفس تلك الطبيعة من غير دخل لخصوصية أخرى أصلا، وإنما غاية ما اقتضاه امتناع اجتماع الوجوب والحرمة على المجمع، أنه رفع الوجوب عن هذه الطبيعة الموجودة في المجمع، وقصره على نفس هذه الطبيعة إذا وجدت في غير المجمع، فقد تعلق من المولى إرادة تامة بنفس الطبيعة - وإن كان هذا التعلق في غير المجمع - وهذا التعلق ليس المراد منه إلا تحصيل الملاك القائم به نفس الطبيعة، لا يريد المولى من تعليق الإرادة بها أزيد من ذلك وحينئذ فالمجمع إن كان الغرض من الملاك القائم بجهته الوجوبية، غرضا مستقلا كان لما أفاده وجه، وأما إذا لم يكن أراد منه إلا نفس الملاك القائم بغيره، وهو مراد بصرف وجوده، فكيف ينكسر الملاك فيه.
وبعبارة أخرى، أمر تعليق المولى لأمره ونهيه بالمجمع حسابه هو ما حسبه (قدس سره) إلا أنه لما كان للمولى غرض آخر قام بصدد تحصيله، وأمر المكلف بإيجاده، وهو ملاك الوجوب، غاية الأمر لمكان ابتلائه في المجمع بالمزاحم وجه أمره إلى غيره، فلا محالة ابتلائه في المجمع بالمزاحم لا يوجب أن يكون غرضه قائما بغير نفس الملاك، بأن يتعلق غرضه بالملاك المقيد بالتحقق في غير المجمع، فإذا تعلق الغرض بنفس الملاك ليس إلا، فلا محالة لا انكسار ولا نقصان في المجمع من حيث تحصيل ذلك الغرض الذي أتى في صدد تحصيله، وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه وبين مثل الخمر والميسر.
وبهذا البيان تعرف استقامة ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وأنه إذا سقط النهي الغالب عن الفعلية في المجمع بملاحظة تعلق جهل أو نسيان بالعنوان المحرم، فلا بأس بفعلية الوجوب فيه، إذ المانع إنما هو فعلية النهي، إذ لا يجتمع