والحق بمقتضى ارتكاز العرف أن الألفاظ الموضوعة لإفادة التكثير والعموم أيضا مثله، فلا يحتاج في استفادة سريان الحكم إلى جميع الأفراد إلى مقدمات الإطلاق.
هذا كله حول المرجح الأول للحرمة.
ومما عد من المرجحات حكم العقل بتقديم دفع المفسدة على جلب المنفعة، ببيان أن المولى أيضا حيث إن مبنى حكمه بالحرمة أو الوجوب دفع المفاسد وجلب المنافع، فلا محالة في مقام التزاحم يقدم جانب المفسدة.
أقول: ولابد وأن يكون مفروض هذا الكلام فيما تساوت وزنة المنفعة والمفسدة أو احتمل تساويهما، وإلا فمع أقوائية المنفعة فكيف يتصور من عاقل أن يحكم بتقديم جانب المفسدة المرجوحة؟ وكيف كان فيورد عليه بمنع حكمه بذلك في مفروض الكلام، ولو حكم فهو حكم انبغائي لكي لا يكون ما صدر عن العاقل لغوا، وقد مر آنفا أنه لا وجه للرجوع إلى المرجحات فيما يمكن امتثال الوجوب في غير المصداق المحرم، إلا أن كلام الكفاية هنا مبني على الغفلة من هذه الجهة، ولذا أورد عليه أخيرا أنه إنما يحكم العقل بهذا التقديم فيما لم يكن في البين قاعدة ولا أصل شرعي به ينحل المعضلة.
وبالجملة: حكمه هذا موضوعه مقام قصرت اليد عن جميع الأصول والقواعد الشرعية، وهاهنا تجري البراءة عن الحرمة في المجمع بخلاف الوجوب، لكونه في المجمع تخييريا لا تعيينيا (1) انتهى. فإن تخييرية الوجوب إنما تتصور فيما أمكن الامتثال في غير المجمع من الأفراد. هذا.
والحق أن وجوب الطبيعة تعييني معلوم لا تجري البراءة عنه، إلا أن أمر الطبيعة دائر بين المطلقة والمقيدة بعدم الاتحاد مع الحرام، فإنه لابد من تقييدها به على الامتناع لو غلب جانب الحرمة، فهذا القيد غير معلوم تجري البراءة عنه كما في سائر شرائط الواجب الغير المعلومة، وهذه البراءة موافقة لأصالة البراءة