أقول: والظاهر أن وجه عدم احتماله (قدس سره) لكون نفس الترك بما أنه ترك مستحبا قائما به المصلحة، أن المولى إذا رأى أن في الفعل مصلحة وفي تركه أيضا مصلحة، فلا محالة يوازن بينهما، ويتعلق حبه بما هو الأقوى منهما، بداهة أن الانسان إذا أحب ترك شئ لا يحب فعله، وبالعكس، فهذا هو وجه عدوله، لا ما في نهاية الدراية، حتى يستشكل عليه بما ذكره فيه فراجع.
لكن مع ذلك ففي كلامه (قدس سره) نكتتا ابهام.
أولاهما: تقييده النهي التنزيهي الموجب للبعد والبطلان بما كان ناشئا عن حزازة في الفعل، فقد استشكله في النهاية بأنه لا فرق بين النهي التنزيهي والتحريمي في ذلك، وقد بينه بيانا وافيا.
لكن أصل اشكال اقتضاء النهي لبطلان العمل، مدفوع:
أولا: بعدم تسليم اقتضاء الأمر بالشئ للنهي عن الضد العام، وسنده ما مر في ذلك المبحث.
وثانيا: بما في نهاية الدراية من أن نقيض ذلك العنوان المنطبق على الترك ليس عين الفعل، بل ملازم له، والمتلازمان لا يجب استوائهما في الحكم.
وثالثا: بأن أمثال هذا النهي الناشئ عن ضدية المنهي عنه للمأمور به بمجرده غير موجب للبطلان والبعد، لعدم كون المنهي عنه مبغوضا نفسيا للمولى، فهذا النهي سواء كان تحريميا أو تنزيهيا لا يستلزم البعد، لكي يلزم منه البطلان، ببرهان أن المقرب لا يكون مبعدا، بل النهي الموجب لهما هو ما كان ناشئا عن تعلق بغض المولى بالمنهي عنه، وهو إنما يكون فيما كانت في الفعل حزازة. هذا.
النكتة الثانية: أنه بناء على كون النهي هو طلب الترك كما هو مبني الكفاية، فلا معنى للقول: بتعلق النهي بالفعل، من باب أنه ضد عام لذلك الترك، كيف ومعنى النهي عنه هو طلب تركه، وهو نفس الأمر بتركه واستحباب تركه، نعم، له وجه بناء على ما هو الحق من أن حقيقة النهي هو الزجر قبال البعث الذي هو حقيقة الأمر، اللهم! إلا أن يأول ما في حاشية الكفاية، بأن مراده انطباق ترك الترك