هذه محققة لموضوع التعارض، لا كاشفة عنه ومبدأ للتصديق به، فهو مبني على كون التعارض حقيقته متقومة بوصول المتعارضين، ودرك التنافي بينهما، فإنه عليه يدرك المنافاة بين خبري الأمر والنهي على الامتناع في مسألتنا هذه، وإلا فلو كان التعارض هو نفس منافاتهما الواقعية - كما في سائر الموضوعات - فمسألتنا كشف عنه وإدراك له، لا أنها محققة عنه، كما لا يخفى.
ثم إن ظاهر الكفاية أن مسألة اجتماع الأمر والنهي، بنفس هذا العنوان، يكون فيها جهات متعددة، بإحداها صارت أصولية، وليس الأمر كذلك كما بينه في نهاية الدراية، والأمر سهل.
الرابع: لا ينبغي الإشكال في عموم لفظ " الأمر والنهي " الواقعين في عنوان البحث لجميع أنواع الوجوب من النفسي والغيري، والعيني والكفائي، والتعييني والتخييري، وذلك لا ينافي ما ذهبوا إليه من استفاده الحرمة أو الوجوب النفسي العيني التعييني من إطلاق الهيأة أو المادة، إذ هذه الاستفادة - على التحقيق - ليست بلحاظ وضعها لذلك، بل هي بحكم العقلاء معلولة لإنشاء البعث والدستور أو الزجر، فإنها حجة بوجودها الانشائي عندهم على الوجوب والحرمة، وأما في غير مقام الإنشاء، فحيث لا ريب في أن جميع أقسام الوجوب أو الحرمة يكون استعمال صيغة أو مادة الأمر أو النهي فيها على الحقيقة، فاطلاق اللفظين يوجب شموله لجميع الأقسام، لاختصاص حكم العقلاء بغيره، وبمقام الإنشاء. هذا. ومثله الكلام بعينه لو استفدنا النفسية ونظرائها من الاطلاق ومقدمات الحكمة، فتدبر.
هذا كله بالنسبة إلى عموم العنوان، وأما عموم الملاك فهو ظاهر فيما سوى الأخير، وأما فيه ففيما كان الحرمة تخييرية، وأتى بالواجب متحدا لطرف من أطرافها مع ارتكابها للطرف الآخر إشكال، من حيث إن الحرمة لا تتعلق بهما بنحو الاستيعاب، بل بنحو المجموع من حيث المجموع، وهو غير متحد مع الواجب.
نعم، لو جعلنا الحرمة التخييرية نحوا خاصا من الحرمة لم يكن حينئذ بأس باتصاف كل من الأطراف بها، فيمكن أن يقال: بأن اتصافه حينئذ بالوجوب ممتنع،