وكونها مشتملة على حقيقة الجواز الأخص أيضا، محل منع، فراجع.
ومما ذكرنا من عدم امكان بقاء الجواز بالمعنى الأخص أو الأعم، تعرف أنه لا وجه للقول ببقائه إن أريد كون الباقي من بقايا نفس الوجوب فلا ضم الدليل الناسخ إلى دليل الوجوب يوجب دلالة على بقائه، ولا يمكن استصحاب بقاء ما كان بعد العلم بارتفاعه بالمرة، وعدم كون الجواز أو الاستحباب - لو كان - بقاء له لا عرفا ولا عقلا.
وأما توهم: أن كلا من الوجوب والاستحباب والإباحة بل والكراهة يلزمه الجواز بالمعنى الأعم، بداهة أن الشخص مع كل منها مرخص في العمل، فلو أخلف الوجوب واحد منها كان الجواز اللازم باقيا فمع الشك يستصحب.
فمدفوع أولا: بأن هذا الجواز أمر انتزاعي غير مجعول، ينتزع من ترخيص المكلف وعدم منعه وأن له أن يفعل، والحق أن الأمور الانتزاعية من قبيل ملازمات التكاليف والمجعولات الشرعية، وليست بنفسها مجعولا شرعيا، و الاستصحاب لا يجري إلا فيما يترتب عليه، ولو بواسطة غير مثبتة، وظيفة عملية، فينحصر مورده فيما كان بنفسه حكما شرعيا عمليا، أو كان موضوعا لحكم شرعي، وأما في مثل هذه الانتزاعيات فلا ينتهي إلى وظيفة عملية، إذ جواز العمل شرعا إنما يكون باستحبابه أو اباحته أو كراهته، لا بجوازه هذا، إذ من المعلوم أن ليس في مورد كل منها حكمان مجعولان: الجواز، وأحد هذه، بل المجعول والمعين لوظيفة المكلف، هو أحد هذه فقط، يلازمه بحيث لا ينفك عنه عنوان انتزاعي ليس هو بنفسه وظيفة شرعية، بل لو أمكن انفكاكهما لاحتملنا الممنوعية والحرمة مع هذا الجواز الانتزاعي، فهو نفسه ليس وظيفة شرعية، وإثبات كل من الثلاثة باستصحابه أصل مثبت.
وثانيا: بأن هذا الجواز عبارة أخرى عن كل من الثلاثة أو الوجوب، وليس أمرا بجنبهما، وحينئذ فاستصحابه إنما يصح على القول باجرائه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي مطلقا، فتدبر جيدا.