ذلك استدلوا من غير نكير بقصة أمر الخليل (عليه السلام) بذبح ولده، قائلين - كما في المعالم -: " لانتفاء شرطه عند وقته وهو عدم النسخ ". ومن المعلوم أن النسخ لا يوجب انتفاء شرط الفعل، وإنما يوجب ان ينتفي شرط وقوعه على صفة الامتثال، فيعلم من استدلالهم بلا نكير مضافا إلى عنوانهم، أن المراد أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرط وقوع الفعل بصفة الامتثال، وحينئذ فينطبق مرادهم على ما استحسنه صاحب المعالم وعدل به عن عنوانهم، ونقله عن السيد المرتضى (قدس سره) قال السيد: وفي الفقهاء والمتكلمين من يجوز أن يأمر الله تعالى بشرط أن لا يمنع المكلف من الفعل أو بشرط أن يقدره، ويزعمون أنه يكون مأمورا بذلك مع المنع " انتهى ".
وكيف كان فظاهرهم، لو لم يكن صريحهم، أنه بناء على الجواز فالمكلف مأمور بنفس الفعل واقعا، وأريد منه جدا، وأن الأمر في الأوامر الامتحانية أيضا من هذا القبيل، فلا وجه لنسبة الخلط إليهم - كما في القوانين - وأن المراد فيها ليس نفس الفعل، وذلك أن هذا هو مختاره ومبناه، وأما المجوزون فيقولون: إن المراد فيها نفس الفعل، فلا خلط، وإن كان خطأ.
وحينئذ فلا يبعد ما أفاده بعض الأساتذة، من ابتناء هذا البحث على مبحث الطلب والإرادة، والقول بالكلام النفسي، إذ عليه يتوجه القول بصحة الأمر الجدي نحو شئ يعلم بعدم تمكن المكلف منه إذا حضر وقته، إما لعجزه من متن الفعل، وإما لعجزه من امتثاله، لعدم بقائه ونسخه.
والحق في الأوامر الشرعية القانونية الصادرة من العالم بالعواقب أنه في باب النسخ قبل حضور وقت العمل ليس من النسخ بالحقيقة، إذ هو موقوف على وجود الحكم قبله حقيقة، والعالم بعدم إرادته عند العمل لا يمكن منه إرادة إتيانه في زمانه قبل أن يحضر زمانه، فالأمر الامتحاني وإن استعمل في مفاده الموضوع له، أعني البعث، إلا أنه لا تكليف واقعي بالفعل، وإنما هو تخييل التكليف الواقعي، وهو كاف في غرض الامتحان.