الخامسة: لا ريب في أن قوام التكليف الشخصي الموجه إلى شخص خاص بلحاظ أن الغرض منه انبعاثه، باحتمال انبعاثه، إذ الانبعاث غاية له، والغاية علة فاعلية الفاعل، فلا بد من احتمال ترتبه في صدور ذيها، وعليه فلو علم المولى بعدم انبعاث العبد من بعثه لما أمكن صدور البعث الجدي منه. وأما التكليف القانوني الموجه إلى أشخاص كثيرين داخلين تحت عنوان واحد فظاهر كلماتهم أنه أيضا مشروط بشرائط الخطاب الشخصي، وكان قوله (صلى الله عليه وآله): " يجب على كل مسلم صلاة الظهر " - مثلا - بمنزلة أن يخاطب كلا منهم بالخصوص بهذا الخطاب، فيعتبر في توجه هذا الخطاب العام إلى كل منهم ما يعتبر فيه لو انفرد بالخطاب، ولذلك قالوا: بعدم فعلية الخطاب بالنسبة إلى الخارج عن محل الابتلاء، واستتبع ذلك عدم منجزية العلم الاجمالي بما يكون بعض أطرافه خارجا عن الابتلاء.
هذا ظاهر كلماتهم، إلا أن الحق اختلاف مبادي الخطابات القانونية والشخصية، فلا يعتبر في القانون إلا احتمال انبعاث طائفة من المكلفين، وإن علم بعدم انبعاث طائفة أخرى عصيانا أو عذرا، فالخطاب القانوني متوجه حتى إلى العاصي والمعذور أيضا، والشاهد عليه ملاحظة سيرة العقلاء في ذلك، ومعلوم أن الشارع لم يكن له في جعل الأحكام سنة حديثه، مضافا إلى أنهما لو اتحدا في الشرائط لزم منه عدم تكليف العصاة والكفار، إذ المولى عالم بعدم انبعاثهم - والانبعاث هو الغرض المقوم للخطاب الشخصي - ولزم منه أيضا عدم صحة جعل الأحكام الوضعية في الخارج عن محل الابتلاء، أما على القول بانتزاعها عن التكليفية فواضح، وأما على غيره فلأن الوضع جعله مقدمة لجعل التكليف، فجعله حيث لا تكليف لغو.
فمنه يتبين أنه لا بأس بشمول التكليف القانوني للعاجز عن الإطاعة أيضا " إنتهى ".
أقول: ما جعله مقوما للخطاب الشخصي من احتمال انبعاث المكلف، حتى استنتج منه عدم استوائه والقانوني في الشرائط، بعد ضرورية تكليف العصاة، محل