هذا هو المشهود من أقسام الأحكام في الأحكام العقلائية، ومن الواضح أنه ليس للشارع طريقة حديثة، فأحكامه أيضا منحصرة في القسمين.
وأما الحكم التنجيزي فليس قسما وصنفا آخر من الحكم به يقع انقسام حقيقي في حقيقة الحكم، وذلك أن المراد منه حكم فعلي لم يكن المكلف معذورا في مخالفته، ومعلوم أن عدم المعذورية في خلافه من أحكام الحكم الفعلي - في بعض الموارد - لا من مقسماته بما أنه حكم، لكي يتكامل الحكم ويحصل نوع يكون ما قبله بمنزلة الجنس له أو بمنزلة نوع آخر، كما لا يخفى.
كما أن الحكم الاقتضائي مقام اقتضاء الحكم، لا وجود الحكم، فليس من الحكم في شئ. " انتهى ".
أقول: إن ما أفاده من انحصار أقسام الحكم في قسمين وإن كان هو الحق الذي لا مرية فيه، إلا أن عد شمول العام للفرد المخصص من قبيل الحكم الإنشائي لا يخلو من منع، وذلك أن مقابل مرحلة الاجراء هو الحكم الواقعي الذي لم يجعل بمرحلة الاجراء، وأما الفرد المخصص فلم يكن بحسب الواقع في مورده حكم أصلا، وكان الإنشاء بحسب الواقع مختصا من أول الأمر بغيره من الافراد، غاية الأمر من عدم ذكر المخصص متصلا تخيل شمول الإنشاء الواقعي له، وتصور أن الجعل الواقعي قد عمه، ثم بعد العثور على المخصص انكشف فساد هذا التخيل وبطلان هذا التصور، وأنه لم يكن من الحكم فيه عين ولا أثر، وإنما كان تخيل الحكم لا نفسه. وبالجملة فتسميته بالحكم والاصطلاح عليها مما لا مشاحة فيه، وإنما الغرض أن الحكم الذي هو أمر اعتباري مجعول لا يوجد في مورده إلا تخيلا.
ومما يوضح ما ذكرناه أن هذه التخصيصات إنما وقعت على العمومات التي لا شك في أن مفادها الأحكام الفعلية، أعني ما جعلت بمرحلة الاجراء، ومعلوم أنه بعد الظفر بالمخصص يعلم عدم إرادة مفادها في هذا الفرد، فمفادها بالنسبة إليه حكم فعلي خيالي، لا انشائي واقعي، وقد خرجنا عن طور الأدب والغرض توضيح المطلب وبه تعالى الاعتصام.