الحكم بالافراد إلا أنه متعلق بالفرد الذاتي والحيثية المحققة لفرديته للعموم، بلا توجه منه إلى خصوصيات الفرد، فقوله: " أكرم العلماء " يدل على وجوب إكرام أي عالم، لكنه موضوع لهذا الوجوب بما أنه عالم فقط، ولا نظر في تعلق الحكم به إلى خصوصياته وأعراضه اللازمة أو المفارقة، وبالجملة فلا دال على خصوصية الفرد حتى يكون الحكم في ظاهر الدليل متعلقا بها، وإنما الخصوصيات مما تصحب الأفراد في وجودها الخارجي، وهو غير كونها مدلولة للألفاظ ومتعلقة للأحكام.
الثالثة: حيث إن ابتلاء المكلف به بالمزاحم من الخصوصيات الفردية التي لم تتعلق بها التكليف، لا من التزاحم الواقعي في ملاكات الاحكام، فليس على المولى الجاعل للحكم على نفس الطبيعة أو فردها الذاتي أن يكون في جعله ناظرا إليه، وليس في كلامه سواء كان من المطلقات أو العمومات ما يدل على نظره إليه، إذ ليس مفاد الاطلاق إلا تعلق التكليف بصرف وجود الطبيعة - مثلا - ولا مفاد العموم إلا تعلقه بالفرد الذاتي، فمفاد كلامه الدال على جعله هو أن جعله بحيث لا أثر من المزاحمة في مقامه وعالمه أصلا، والمزاحمات إنما هي في عالم الامتثال الذي لم ينظر المولى إليه أبدا. " انتهى ".
أقول: نعم، لو ثبت امتناع التكليفين بالمتزاحمين، فهذا الامتناع العقلي كاشف عن تخصيص أحد الخطابين، وإنما لم يصرح الجاعل به - لو سلم - اتكالا على انكشافه بحكم العقل فارتقب.
الرابعة: أن المعقول والمشهود من مراتب الحكم عند العقلاء مرتبتان فقط:
مرتبة الإنشاء، وهي مرتبة جعل الحكم قبل أن يوضع بيد الإجراء، ومرتبة الفعلية، وهي مرحلة جعله بمقام الاجراء، فالحكم إما انشائي: وهو ما لم يصل نوبة اجرائه، كما في الأحكام المودوعة عند ولي الله الأعظم " عجل الله تعالى فرجه الشريف "، أو ما اقتصر على انشائه في ضمن عموم أو اطلاق، ثم خرج عنه، فلم يوضع بمرحلة الاجراء، وإما فعلي وهو ما جعل بمرحلة الاجراء.