الفرسخ، أو الألوية المنصوبة للدلالة على أن هناك مجلس عزاء أو دعاء.
وهذا القول وإن لم يرد عليه ما قيل: من أنه ليس في وضع الألفاظ مكان مفروض حتى يتصور أن اللفظ وضع على ذاك المكان - كما في العلامات المنصوبة - فإن هناك أمورا ثلاثة: المكان المنصوب فيه العلامة، ونفس العلامة، والمعنى المدلول عليه بها، وهنا أمران فقط: اللفظ والمعنى.
وجه عدم الورود: أن القائل به لا يريد إلا التشبيه من حيث إن اللفظ أينما ومهما تحقق فهو كعلامة ينتقل منه إلى المعنى، وليس التشبيه من الجهات الاخر.
لكنه يرد عليه: أن الربط الموجود بين اللفظ والمعنى أشد من ربط العلائم المنصوبة بالمعنى الذي هي علائم عليه، فإن الألفاظ - كما عرفت - مجرد أدوات لا يلتفت إليها استقلالا بحيث يكون المتكلم كأنه يلقي المعاني ابتداء والمخاطب يتلقاها كذلك، فهذا الارتباط الأكيد أمر شديد لا مجال للتغافل عنه، بل حينئذ هو حقيقة دلالة الألفاظ على المعاني، وهو حصيل عمل الواضع وتسمية المعنى باللفظ.
القول الثاني: يرجع إلى تفسير الوضع بأنه تعهد من الواضع، بل ومن المستعملين بأنه وأنهم متى أرادوا تفهيم المعنى الكذائي تلفظوا بلفظ مخصوص، بل في ما نقل عن قائله: إن كلا من المستعملين واضعون (1).
ويكفي في رد هذا القول مراجعة الوجدان، فإن كل أحد يرى من نفسه أنه يجعل لفظ كذا اسما للمعنى الذي يسميه، من دون التفات بدوي إلى الالتزام والتعهد المذكور، بل ربما كان الواضع ممن يعلم بأنه لا يستعمل - ولو مرة - هذا اللفظ في هذا الموضوع له، كما في تسمية ولد بعض الأباعد بلسان بعض العلماء العظام والعرفاء الكرام، فلا يصدر منه سوى التسمية، ثم من علم بها يستعمله في