الموضوع في العلوم البرهانية، وأوضحه في تعليقته المباركة على الأسفار بما حاصله: أن البرهان لكونه قياسا منتجا لليقين يجب أن يتألف من مقدمات يقينية... واليقين هو العلم بأن كذا كذا وأنه لا يمكن أن لا يكون كذا، والمقدمة اليقينية لابد أن تكون ذاتية المحمول للموضوع، أي بحيث يوضع المحمول بوضع الموضوع ويرفع برفعه، مع قطع النظر عما عداه، إذ لو رفع مع وضع الموضوع أو وضع مع رفعه لم يحصل يقين، وهذا خلف، فحيث كان المحمول الذاتي - بما هو محمول - موجودا لموضوعه بالضرورة فالموضوع من علل وجوده، فيجب أن يؤخذ الموضوع في حده التام، وهو أيضا باطل في تمييز العرض الذاتي، فإذا فرض للمحمول محمول ولمحموله محمول يؤخذ الموضوع في حد جميعها، وكان الجميع عرضا ذاتيا للموضوع الأول، كما أن كلا منها ذاتي لموضوع قضيته، وكذا لو كان للموضوع موضوع... وهكذا يؤخذ الموضوع الأول في حد جميعها.
ويتبين من ذلك أن العلم هو مجموع قضايا يبحث فيها عن أحوال موضوع واحد هو المأخوذ في حدود موضوعات مسائله ومحمولاتها. كما يتبين أن العلم لابد فيه من موضوع هو الموضوع في جميع مسائله ويبحث فيه عن عوارضه الذاتية.
كما يتبين أيضا أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات. نعم، هذا كله في العلوم الحقيقية البرهانية. وأما العلوم الاعتبارية التي موضوعاتها أمور اعتبارية غير حقيقية فلا دليل على جريان شئ من هذه الأحكام فيها أصلا. انتهى ملخصا (1).
وللكلام عليه هنا مجال: فإنه لو سلمنا ما أفاده من لزوم ذاتية المحمولات في العلوم البرهانية لموضوعات مسائلها فما الذي أوجب وجود موضوع واحد سار في جميع الموضوعات متحد معها؟ وما المانع من أن يكون هنا موضوعان - مثلا - يسري كل منها في عدة من مسائل العلم كما أفاد، ويكونان معا موضوعين لعلم واحد ومنه يتبين الكلام على ما أفاد من أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، فتدبر.