ويرد عليه: أنك قد عرفت أنه لا ريب في أن المفهوم في الجملة المذكورة وقوع السير خارجا من البصرة الخارجية إلى الكوفة التي هي أيضا بلدة خارجية، فالربط الذي يدل عليه لفظة " من " و " إلى " إنما هو الربط المصداقي الذي ارتبط به السير الخارجي إلى البلدتين المذكورتين، ولا يتوهم أحد أن مدلول الحرفين هو الربط الذهني الاستعمالي، وحينئذ فألفاظ الأسماء وإن لم تتضمن ربطا بين مفاهيمها إلا أن الحروف بما أنها تحكي عن الربط الواقع في الخارج بعينها أوجب ارتباط تلك المفاهيم بالتبع.
وإن شئت قلت: إنه لو لوحظ مفاهيم الأسماء والحروف بما أنها مفاهيم فلا ارتباط بينها، وإن لوحظت بما أنها فانية في الخارج الذي حكت عنها فبين معانيها الخارجية ارتباط، وبه صح توصيف المفاهيم بالارتباط، وفي الحقيقة يكون من باب الوصف بحال المتعلق، ومن باب سراية أوصاف المعنى إلى الألفاظ، فالارتباط متحقق في الخارج بين المعاني، والحروف تحكي عنها، ومنه تعرف أن ما ذكره من أنه لا موطن لمعنى الحروف إلا الاستعمال ممنوع جدا.
3 - وسيدنا الأستاذ العلامة الخوئي (قدس سره) - بعد الإيراد على القول بكون الموضوع له في هذا القسم نفس النسب الخارجية: باستلزامه لعدم إمكان حضور معناه في الذهن، إذ الموجود الخارجي لا يقبل الوجود الذهني، وباستلزامه أن لا يجوز استعمالها في ما لا نسبة فيها، كما في مثل قضية " لله تعالى العلم والأوصاف الكمالية " وفي قضية " شريك الباري لا وجود له "، لعينية الذات والصفات في الأولى، وانتفاء الموضوع رأسا في الثانية، وبعد الإيراد على سائر الأقوال - اختار أن معاني الحروف تضييقات واردة على المعاني الاسمية، فإنها معان كلية واسعة ربما يراد حصصها، فتضيق تلك المعاني بالحروف.
قال (قدس سره): والداعي إلى اختيار هذا القول أمور أربعة: الأول: بطلان سائر الأقوال. الثاني: أن هذا المعنى الذي اخترناه جار حتى في ما لا نسبة فيه. الثالث:
أنه لازم القول بأن حقيقة الوضع هو التعهد بذكر اللفظ المخصوص عند إرادة