فإن الظاهر العرفي من تعليق الأمر به على العجز عن الاختياري أنه في مرتبة دانية من المصلحة لا تصل النوبة إليها مع إمكان الاختياري، وهذا هو سر المصير إلى عدم وفائها بمصلحته ولزوم حفظ القدرة عليه ما أمكن.
وثالثا: أنه لو سلم دلالتها على الوفاء المزبور لكان مقتضى الجمع العرفي رفع اليد عن مطلوبية الخصوصية على التعيين، كما في مسألة الحاضر والمسافر، وما يتصور من نظيرها، فإنه لو كان لدليل التمام إطلاق يشمل المسافر فظاهره على فرضه (قدس سره) وإن كان دخل خصوصيته في المطلوب والمصلحة، إلا أنه إذا قال الشارع: " إذا سافرت فاجعل صلاتك ركعتين " يفهم منه أن الركعتين من المسافر هي الصلاة المطلوبة منه، وهي وافية بجميع غرض المولى، كالأربع للحاضر، ومقتضاه حصر وظيفة المسافر في الركعتين، لا يجوز له الأربع رأسا، وإن كانت له بمكان من الإمكان، اللهم إلا أن يخرج عن موضوعه ويصير حاضرا في وقت هذه الصلاة.
ورابعا: أن جعل المؤثر في المصلحة والمأمور به - على فرض وفاء الاضطراري أيضا بتمام المصلحة - هو الجامع، وإخراج الخصوصية عن حيز الإرادة المولوية مبني على إجراء قاعدة " الواحد لا يصدر إلا عن الواحد " - كما صرح به في تقريراته - في أمثال المقام، وقد مر أنها أجنبية.
وخامسا: أن الحكومة هو نظر أحد الدليلين بمدلوله اللفظي إلى الآخر، ومن أقسامها: إخراج فرد عن فردية موضوعه ادعاء وتنزيلا، وفي ما نحن فيه:
أولا: لا نظر لدليل الاختياري إلى الاضطراري بمدلوله، وإنما لازم العمل بمفاده وامتثاله بحكم العقل حفظ القدرة ورفع الاضطرار عن الخصوصية.
وثانيا: أنه لو عمل على طبقه لزم انتفاء موضوع الاضطرار تكوينا، لا ادعاء وتنزيلا، فليس لدليله حكومة على دليل الاضطرار بوجه، ومنه تعرف أنه ليس واردا عليه أيضا، إذ الدليل الوارد بمحض قيامه يرتفع به موضوع المورود، لا بامتثال مفاده، فليس هاهنا حكومة ولا ورود، بل قد عرفت أنه لولا ما ذكرنا من