قلت: إن أريد بالتعلق المذكور تعلق وجودها الخارجي، أو تعلق ذاتها في وجودها الخارجي فنحن نسلمه، إلا أنه لا ينافي تصور مفهومها الكلي مستقلا عن طرفيها، كيف؟ والصورة فعلية المادة، والفصل محصل الجنس في مقام الماهية فضلا عن الوجود الخارجي، ومع ذلك لا يوجب عدم إمكان تصور الجنس مفهوما مستقلا عن الفصل كليا.
وإن أريد به تعلقه في الذهن فلا نسلمه قطعا، كيف؟ والوجدان العرفي البديهي شاهد يقيني على الخلاف، كما أشرنا إلى توضيحه، والتبادر العرفي أقوى الأدلة في أمثال هذا الباب.
فقد تحصل: أن الموضوع له في هذا القسم من الحروف هي النسب الخارجية الانتزاعية بمالها من مفاهيم كلية ذهنية، كالأسماء حرفا بحرف. نعم، إن مفاهيمها مفاهيم ناقصة يكتمل بذكر طرفيها من باب تعدد الدال والمدلول.
وينتج هذا التحقيق: أن الوضع كالموضوع له، والمستعمل فيه في هذا القسم من الحروف أيضا عام، كأسماء الأجناس وسيأتي البحث عن الحروف الايجادية، ذيل البحث عن الضمائر وأسماء الإشارة.
هذا كله حول القول الأول، أعني حكائية المعاني الحرفية.
2 - والعلامة الميرزا النائيني (قدس سره) (1) اختار أن معاني الحروف كلها إيجادية، واستدل له بأنه إذا قلنا مثلا: " سرت من البصرة إلى الكوفة " فمفهوم السير والبصرة والكوفة بنفسها مفاهيم غير مرتبطة، مع أنه لا ريب في أن مفهوم الجملة المذكورة مفهوم مرتبط الأجزاء، فيعلم أن هذا الربط قد حصل بالحروف واستعمالها. ومن الواضح أن مصداق الربط هو السبب لحصول الربط، فلا محالة يكون مفاهيم الحروف ربطا مصداقيا، وبهذا المعنى يكون مفاهيم الحروف إيجادية، وعليه فلا موطن لمعاني الحروف إلا موطن الاستعمال. هذا خلاصة كلامه على ما فيه من الطول.