مراد المولى في الخارج، ومعه فلا معنى عقلا لبقاء طلبه وأمره على ما كان من دعوة المكلف نحو المأمور به، بل لا محالة يسقط عن هذا الشأن قهرا، فما يؤتى به ثانية وإن انطبقت الطبيعة عليه أيضا إلا أنه وجود آخر للطبيعة أتى به بعد حصول مراد المولى وسقوط أمره، وليس هو والفرد الأول مصداقا واحدا للطبيعة، ووجودا واحدا لما هو مراد المولى حتى يتحقق الامتثال بهما كليهما، وكان جواز الاكتفاء بالمرة الأولى وكونها امتثالا موقوفا على الاقتصار عليها، كما لا يخفى.
الثاني: إذا أتى بأفراد من الطبيعة في مرة واحدة فهل الامتثال يقع بالمجموع أو بواحد لا بعينه؟ وعلى الأول فهل المجموع امتثال واحد أو كل منها امتثال والمجموع امتثالات؟ وهاهنا احتمال أن لا يقع امتثال الأمر أصلا، ويشترط امتثاله بإتيان فرد واحد.
والتحقيق: أن الاحتمال الأخير في كمال الضعف، فإن إطلاق الطبيعة المأمور بها يقتضي وفاءها بمراد المولى أينما تحققت، وعدم تعينها الواقعي لا يمنع عن تحقق الامتثال بها بعد ذلك الإطلاق.
إنما الكلام في الوجوه الثلاثة الأخر، فقد يقال بأن كل فرد امتثال خاص، والمجموع امتثالات، لمكان انطباق الطبيعة المأمور بها على كل منها بحياله.
ويقال في رده: إن ملاك تعدد الامتثال تعدد الأمر، فبعد ما كان الأمر واحدا فلا محالة يكون المجموع امتثالا واحدا.
وهو كلام متين، إلا أن الإشكال كله في تسلم وقوع الامتثال بمجموع الأفراد.
وذلك أن الطبيعة المأمور بها بالنسبة إلى أفرادها قد تكون طبيعة مشككة تصدق بصدق واحد على القليل والكثير، بحيث يكون القليل لو انفرد مصداقا واحدا للطبيعة، وإذا انضم إليه غيره يكون المجموع الكثير أيضا مصداقا واحدا، كما إذا قال المولى " جئني بمن آنس به " فإن طبيعة من يأنس به المولى تصدق على الواحد والاثنين والأزيد بحيث يكون الاثنان وما فوقه مصداقا واحدا لهذه الطبيعة، ففي مثلها إن حصل الطبيعة بفرد فقد امتثل به، وإن حصلها بفردين أو أزيد كانا مصداقا واحدا للطبيعة وامتثالا واحدا لأمرها.