في نهاية الدراية (1).
ثم إن بعض المحققين أورد على الاستدلال بآية الاستباق إيرادا مبنيا على إرادة التقييد ووحدة المطلوب من الاستدلال بها بما حاصله: أن وجوب الاستباق إلى الخيرات يلزم منه عدمه فهو محال، وذلك أن مفادها البعث إلى تقديم كل خير على ما عداه، فهو لا يتصور إلا مع تعدد الخيرات، وحيث إنه لا يمكن عقلا إلا تقديم خير واحد على ما عداه - والمفروض وحدة المطلوب - خرجت البقية لمكان هذه المزاحمة عن الخيرية، فلا يبقى إلا خير واحد لا يتصور فيه الاستباق، وهذا ما قلنا من أنه يلزم من وجود عدمه، فلا بد من حملها على الندب (2).
ويرد عليه: أن معنى الاستباق ليس ما ذكره (قدس سره) بل هو بمعنى تقدم بعض المكلفين على بعض كما هو الحق، أو بمعنى السرعة، وعلى أي حال فهو يصدق مع وحدة الخير ولا يلزم منه المحذور، وأما الإشكال عليه بأن التزاحم لا يوجب خروج الواجب المزاحم عن الخيرية، وبأن التزاحم لا يحصل مع كون التكاليف قانونية - كما عن سيدنا الأستاذ مد ظله - فهو مبني على إرادة التزاحم الواقع في مقام الامتثال لعجز المكلف، وقد عرفت أن المراد من المزاحمة هو المزاحمة في الوجود بنفسه وعدم الإمكان عقلا.
تتمة:
على القول بالفور إذا عصى المكلف ولم يأت بالعمل فورا فهل يسقط عن عهدته رأسا، أو يجب عليه بلا فور، أو يجب عليه فورا ففورا؟
التحقيق: أنه إن قلنا بدلالة الآيات على وجوبها بنحو تعدد المطلوب فحيث إن المأمور به بنفسه خير ومغفرة مطلقا فيجب الفور إلى إتيانه مهما أمكن، فيجب فورا، وإن قلنا بدلالة الصيغة فدلالتها بأي نحو من الأنحاء الثلاثة ممكنة غير ممتنعة، تابعة لاستظهار القائل بالفور، والذي يسهل الخطب أنه لا دلالة لها على الفور أصلا كما عرفت.