أقربية القول بعدم الامكان:
لا لما ذكروه من بساطة الملكة وعدم بساطتها ليقال: (إن التجزئة هي من مصاديق الكلي، لا في أجزاء الكل، أو يقال بان الملكة توجد ضيقة على قدر استنباط بعض الاحكام، ثم تتسع بعد ذلك تدريجا (1)، بل لما قلناه في مدخل البحث: من أن حقيقة الاجتهاد، هو التوفر على معرفة تلكم الخبرات أو التجارب على اختلافها، فمع توفرها جميعا توجد الملكة، ومع فقد بعضها تنعدم لا أنها توجد ضيقة أو يوجد بعض مصاديقها - كما يبدو ذلك من كلام الغزالي السابق -.
ولست أخال أن أحدا من الأساتذة، يلتزم بأن المجتهد في خصوص مباحث الألفاظ - مثلا - مجتهد متجزئ لحصوله على بعض مصاديق ملكة الاجتهاد، لان الملكة التي تحصل من دراسة مباحث الألفاظ، لا تكون اجتهادا اصطلاحيا ما لم تنضم إليها بقية الملكات، فالاجتهاد في الحقيقة هو الوحدة المنتظمة لجميع تلكم الملكات.
وكل واحدة من هذه الملكات، أشبه ما تكون بجزء العلة لملكة الاجتهاد، فما لم تنضم إليها بقية الاجزاء لا يتحقق معلولها أصلا، ومع انضمام البقية تتحقق الملكة (مطلقة)، وإن لم يستنبط صاحبها مسألة واحدة.
وصعوبة الاستنباط لابتناء بعض المسائل على مقدمات، لا تنافي حصول الملكة في أولى مراتبها المستلزمة للقدرة على استنباط هذه الأحكام جميعا.
ونحن لا ننكر ان ملكة الاجتهاد ذات مراتب تقوى وتضعف تبعا لدرجة إعمالها كأية ملكة أخرى، ولكننا - نؤمن مع ذلك - بان أدنى مراتبها بعد خلقها بتوفر أسسها، ومعداتها كافية لصدق الاطلاق عليها