وقد سبق أن تحدثنا في مبحث (دليل العقل) عن أن بعض الاحكام العقلية لا تستتبع أوامر شرعية لوجود موانع عقلية عن ذلك وضربنا المثل بأوامر الإطاعة.
وما قلناه هناك نقوله هنا، لان احتمال العقاب بل القطع به - لا يستطيع أن يوجه الشارع - نهيا عن الوقوع فيه فضلا عن جعل الاحتياط، كأن يقول لك: لا تقع في العقاب للزوم التسلسل الواضح بداهة ان مخالفة هذا النهي إما ان توجب عقابا فهي مردوع عنها، وهذا الردع إن أوجبت مخالفته العقاب، فهو مردوع عنه، وهكذا إلى غير النهاية.
فإذا كان احتمال الضرر الأخروي لا يستتبع جعل الاحتياط الشرعي على وفقه، فمن الواضح أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لا تكشف عنه - أعني الاحتياط - لعدم امكان جعله من قبله، فهي لا تصلح ان تكون بيانا شرعيا له، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان تبقى قائمة ومع قيامها يقطع بعدم الضرر الأخروي، فلا يبقى مجال لوجوب دفع الضرر المحتمل، إذ لا احتمال للضرر حتى يجب دفعه.
وإذن فالقاعدتان لا تعارض بينهما ولا تناقض في حكم العقل.
وعلى هذا فقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل إنما تختص في المواقع التي يمكن للشارع ان يجعل تكاليفه عليها - ولو كانت التكاليف احتياطية -.
وهي لا تشمل غير قسم من الاحتمالات لاضرار دنيوية بالغة، يعلم من الشارع بغض وقوعها من العبد، وما عداها فقاعدة قبح العقاب بلا بيان تبقى قائمة، وهي هادمة بقيامها للقاعدة الأخرى لتحصيلها القطع بالمؤمن الرافع لاحتمال العقاب.