وهذا الاستدلال متين جدا لو لم تكن رواية معاذ من الموضوعات عليه، وقد سبق أن ناقشناها ونظائرها في مبحث القياس فلا نعيد.
ثانيها: (ان ذلك لو كان مدركا لكان تعلمها ونقلها وحفظها من فروض الكفايات كالقرآن، والاخبار، ولرجعوا إليها في مواضع اختلافهم، حيث أشكل عليهم كمسألة العول، وميراث الجد، والمفوضة، وبيع أم الولد، وحد الشرب، والربا في النسيئة، ومتعة النساء، ودية الجنين، وحكم المكاتب إذا كان عليه شئ من النجوم، والرد بالعيب بعد الوطأ، والتقاء الختانين، وغير ذلك من أحكام لا تنفك الأديان والكتب عنها، ولم ينقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وكثرة وقائعهم واختلافاتهم مراجعة التوراة، لا سيما وقد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب، وغيرهم، ولا يجوز القياس إلا بعد اليأس من الكتاب، فكيف يحصل القياس قبل العلم (1)).
وهذا الاستدلال كسابقه من أمتن الأدلة التي يمكن ان تساق في هذا المجال للقطع بمضمونه بل ربما حول المسألة إلى كونها من الضروريات إلا أنه لا ينفي إقرار أصل الشرائع السابقة كما لا ينفي صحة ما ذهب إليه جمهور الحنفية، وغاية ما ينفيه عدم الرجوع إلى الكتب المتداولة للشرائع وهي مما يعلم بدخول التحريف عليها، فلا تكون حجة نعم إذا تم ما ادعاه بعد ذلك من اطباق الأمة على أن هذه الشريعة ناسخة (2)) لها بطل القولان السابقان، إلا أن الاشكال في تحقق هذا الاجماع مع كثرة الخلاف في المسألة من أفراد الأمة، ولا أقل من جمهور الحنفية وغيرهم المانع من انعقاد اجماعها.