تعددت فيه الحيثيات بتعدد العلوم.
فالاستصحاب من حيث إنتاجه للحكم الكلي يكون موضوع مسألة أصولية، ومن حيث انتاجه للحكم الجزئي يكون موضوع مسألة فقهية، وتعدد الحيثية يعدد الموضوع حتما، وكذلك القول في أصل الطهارة وغيرها من الموضوعات المشتركة بين مسائل الفقه والأصول.
أما لماذا بحثت بعض هذه الموضوعات في الأصول ولم تبحث في الفقه أو بالعكس، فالذي احتمله أن قدماء الأصوليين - وهم الذين برمجوا لنا هذه العلوم - لاحظوا الغلبة في نوع انتاج هذه القواعد، فقسموا بحوثها على هذا الأساس، ولهذا السبب بحثوا أصل الطهارة في الفقه لغلبة انتاجه للنتائج الجزئية، وبحثوا للاستصحاب في الأصول لغلبة انتاجه للحكم الكلي.
وربما كان الباعث لبعضهم بالإضافة إلى ذلك، ما يرون في بعضها من تمشيها في مختلف أبواب الفقه وعدم اقتصارها على باب دون باب، فآثر لذلك بحثها في الأصول تسهيلا للباحث وإبعادا له عن تضييع الوقت في التماسها في مختلف المظان، بخلاف البعض الآخر فإنه يخص بعض أبواب الفقه دون بعض كأصل الطهارة، إذ من السهولة واليسر التماسه في بابه الخاص من الفقه.
وهذه وجهات نظر في البرمجة، قد توافق عليها أصحابها، وقد تختلف معهم، ولكنها على كل حال لا توجب رفع اليد عن المقياس الذي ذكرناه شريطة ان يتقيد بلحاظ الحيثية في هذه المواضيع المشتركة على نحو ما ذكرناه سابقا.