ولعل هذا هو مراد شيخنا النائيني، وإن لم توضحه بعض تقريرات بحثه، فلا يرد على تفرقته هذه ما ذكر (من أن بعض القواعد الفقهية لا يمكن القاؤها إلى العامي ولا يستطيع معرفتها فضلا عن تطبيقها) وذلك كقاعدة ما لا يضمن، أو التسامح في أدلة السنن، أو قاعدة لا ضرر ولا حرج بداهة ان المكلف عاجز عن تطبيق هذه القواعد على مواردها (1)).
لان عجز العامي عن معرفة هذه القواعد بنفسه لا يرفع عنه مسؤولية فهمها والاستعانة بمن يوضحها له لتعلقها بصميم عمله، وليس من وظيفة المجتهد ان يعدد جميع مصاديق هذه القواعد ليمهد للعامي جهة الانتفاع بها فيما لو ابتلي ببعضها وإلا لضاق به نطاق الزمان عن استيعابها جميعا، على أنا نشك ان العامي - وبخاصة من قارب درجة الاجتهاد ولم يجتهد بعد - عاجز عن تطبيقها متى حددت له جهتها الفقهية، وأبرزت له معالمها، وترك له أمر التماس موضوعاتها وتطبيقها على نفسه.
ولعل أهم ما يمكن أن تؤاخذ به التفرقة الأولى - وهي العمدة في الفروق - ما شوهد من انتاج بعضها للنتائج الفقهية والأصولية معا مما يبعث على الحيرة في التماس مقياس موحد للتفرقة بينهما، فقد لوحظ مثلا على الاستصحاب واصل الطهارة انهما ينتجان أحيانا الحكم الكلي، وأحيانا الأحكام الجزئية، وبمقتضى ذلك لا يمكن عدهما من المسائل الأصولية ولا الفقهية بذلك المقياس، وهذا ما حمل البعض على عدم الاخذ به واللجوء إلى التماس مقاييس أخرى.
ولكننا لا نجد في هذه المؤاخذة ما يوجب طرح هذا المقياس، وليس هناك ما يمنع من اشتراك الموضوع الواحد بين علمين وأكثر إذا