ولقد كتبت فصلا مطولا في البحث الذي يتصل بانبثاق فكرة الإمامة والضرورات الداعية إليها في محاضراتي عن تأريخ التشريع الاسلامي في كلية الفقه، ومما جاء فيه مما يتصل بحديثنا هذا: (والذي أخاله ان من أوليات ما يقتضيه ضمان التطبيق أن يكون القائم على تطبيقها شخصا تتجسد فيه مبادئ فكرته تجسدا مستوعبا لمختلف المجالات التي تكفلت الفكرة تقويمها من نفسه.
ولا نريد من التجسد أكثر من أن يكون صاحبها خليا عن الأفكار المعاكسة لها من جهة، وتغلغلها في نفسه كمبدأ يستحق من صاحبه التضحية والفناء فيه من جهة أخرى، ومتى كان الانسان بهذا المستوى استحال في حقه من وجهة نفسية ان يخرج على تعاليمها مجال.
وإذا لم يكن القائم بالحكم بهذا المستوى من الايمان بها وكانت لديه رواسب على خلافها لم يكن بالطبع أمينا على تطبيقها مائة بالمائة لاحتمال انبعاث إحدى تلكم الرواسب في غفلة من غفلات الضمير واستئثارها في توجيهه الوجهة المعاكسة التي تأتي على الفكرة في بعض مناحيها وتعطلها عن التأثير ككل، وربما استجاب الرأي العام له تخفيفا لحدة الصراع في أعماقه بين ما جد من تعاليم هذه الفكرة وما كان معاشا له ومتجاوبا مع نفسه من الرواسب.
على أن الناس - كل الناس - لا يكادون يختلفون الا نادرا في قدرتهم على التفكيك بين الفكرة وشخصية القائم عليها، فالتشريع الذي يحرم الرشوة أو الربا أو الاستئثار لا يمكن ان يأخذ مفعوله من نفوس الناس متى عرف الارتشاء أو المراباة أو الاستئثار في شخص المسؤول عن تطبيقه ولو في أن ما، أو احتمل فيه ذلك).
وبما أن الاسلام يعالج الانسان علاجا مستوعبا لمختلف جهاته داخلية