وأمثلته كثيرة منها: صدور العقلاء جميعا عن الاخذ بظواهر الكلام، وعدم التقيد بالنصوص القطعية منه، على نحو يحمل بعضهم بعضا لوازم ظاهر كلامه، ويحتج به عليه، ومنها: صدور العقلاء جميعا عن الرجوع إلى أهل الخبرة - فيما يجهلونه من شؤونهم الحياتية وغيرها فالمريض يرجع إلى الطبيب، والجاهل يرجع إلى العالم، وهكذا...
وحجية مثل هذا البناء إنما تتم إذا تم كشفه عن مشاركة المعصوم لهم في هذا الصدور فيما تمكن فيه المشاركة، أو إقراره لهم على ذلك فيما لم تمكن فيه.
وسر احتياجنا إلى الكشف عن مشاركة المعصوم، أو إقراره ولو من طريق عدم الردع فيما يمكنه الردع عنه مع اطلاعه عليه، أن هذا البناء ليس من الحجج القطعية في مقام كشفه عن الواقع، لجواز تخطئة الشارع لهم في هذا السلوك.
والفرق بينه وبين حكم العقل، أن حكم العقل فيما يمكنه الحكم فيه وليد اطلاع على المصلحة أو المفسدة الواقعية، كما يأتي بيانه، وهذا البناء لا يشترط فيه ذلك لكونهم يصدرون عنه، - كما قلنا - صدورا تلقائيا غير معلل، فهو لا يكشف عن واقع متعلقه من حيث الصلاح والفساد، ولعل قسما كبيرا من الظواهر الاجتماعية منشؤه هذا النوع من البناء.
ومع عدم كشفه عن الواقع فهو لا يصلح للاحتجاج به على المولى لكونه غير ملزم له، ومع اقراره أو عدم ردعه أو صدوره هو عنه يقطع الانسان بصحة الاحتجاج به عليه.
وسيأتي مزيد حديث عنه بما أسموه (بالعرف) واعتبروه من الأدلة المستقلة مع رجوع قسم كبير منه إلى حجية هذا البناء.