وأما الكلام في المقام الثاني: فالظاهر بل المقطوع به أن عبادته صحيحة، وذلك لفرض أن النسيان رافع للحرمة واقعا، فلا يكون المجمع في هذا الحال محرما كذلك، ولا مبغوضا، لفرض أن نسيانه كان عن قصور لا عن تقصير. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن المجمع إذا كان جائزا واقعا فلا مانع من شمول إطلاق دليل الأمر له، ضرورة أن المانع من شموله لهذا الفرد هو دليل الحرمة وتقديمه على دليل الوجوب، وبذلك يقيد إطلاق دليله، فإذا فرض سقوط دليله واقعا - كما في المقام - فلا مانع من شمول إطلاقه له أصلا.
وبتعبير آخر: قد ذكرنا: أن المعتبر في صحة العبادة أمران: أحدهما: أن يقصد القربة، والآخر: أن يكون الفعل في نفسه قابلا للتقرب به، والمفروض أن كلا الأمرين في المقام موجود.
أما الأول: فلفرض أن المكلف قصد القربة.
وأما الثاني: فلفرض أن الفعل في نفسه سائغ واقعا، ومعه لا مانع من التقرب به بإتيانه بداعي الأمر المتعلق بالطبيعة، لفرض أنها تشمله بعد سقوط دليل المقيد لها واقعا، وهذا ظاهر.
ومن هنا حكمنا بصحة الوضوء في الماء المغصوب نسيانا إذا كان عن قصور، وذلك لفرض أن التصرف فيه جائز واقعا، ومعه لا مانع من شمول إطلاق دليل وجوب الوضوء له (1).
فالنتيجة: أن ما نسب إلى المشهور من صحة الصلاة في الدار المغصوبة في حال نسيان الحكم أو الموضوع إذا كان عن قصور متين جدا، ولا مناص عنه. ولكن ما نسب إليهم من صحة الصلاة فيها في حال الجهل فقد عرفت أنه غير تام.