من جهة النسيان أو نحوه لا مانع - عندئذ - من الحكم بالصحة أصلا.
وكيف كان، فلا إشكال في صحة العبادة في المقام ولو قلنا بفسادها على القول بالجواز في المسألة. وسيأتي بيان ذلك بشكل واضح إن شاء الله تعالى.
وأما المقام الثالث - وهو: ما إذا كان المأمور به متحدا مع المنهي عنه في الخارج - فهل يصح الإتيان بالعبادة المضطر إليها المتحدة مع الحرام خارجا أم لا؟ وجهان، بل قولان: المعروف والمشهور بين الأصحاب هو القول الأول ولكن اختار جماعة منهم: شيخنا الأستاذ (قدس سره) القول الثاني (1).
وقد استدل للمشهور بأن الموجب لتقييد إطلاق المأمور به بغير الحصة المنهي عنها إنما هو حرمة تلك الحصة، وإلا فلا مقتضى لتقييده أصلا، والمفروض في المقام أن حرمتها قد سقطت من ناحية الاضطرار أو نحوه واقعا فلا حرمة بحسب الواقع ونفس الأمر. ومن المعلوم أنه مع سقوطها كذلك لا مانع من التمسك بإطلاق دليل الأمر لإثبات كون هذه الحصة من مصاديق المأمور به وأفراده.
لتوضيح ذلك نأخذ مثالا، وهو: ما إذا اضطر المكلف إلى الوضوء أو الغسل بالماء المغصوب فتوضأ أو اغتسل به ففي أمثال هذا لا مانع من الحكم بصحة الوضوء أو الغسل، فإن المانع عن صحتهما إنما هو حرمة التصرف في هذا الماء، حيث إنها - لا محالة - توجب تقييد إطلاق دليليهما بغير هذه الحصة - أعني:
التوضؤ أو الاغتسال بالماء المغصوب - فهذه الحصة خارجة عن دائرة الأمر ومبغوضة للشارع فلا يعقل انطباق المأمور به عليها، لاستحالة كون المحرم والمبغوض مصداقا للواجب والمحبوب، ولازم ذلك - لا محالة - تقييد المأمور به بغيرها.
فإذا النتيجة: هي أن ما دل على حرمة التصرف في هذا الماء بالمطابقة فلا محالة يدل على تقييد الوضوء أو الغسل بغيره بالالتزام، لفرض أن هذا التقييد لازم حرمة التصرف فيه ومتفرع عليها. هذا من ناحية.