الثالثة: أن الغرض إذا كان مترتبا على خصوص الأقل من دون دخل للزائد فيه أصلا فلا يكون الأكثر عدلا له، بل كان فيه اجتماع الوجوب وغيره، سواء كان ذلك الغير استحبابا أو غيره.
ولنأخذ بدراسة هذه النقاط:
أما النقطة الأولى: فهي وإن كانت في غاية الصحة والمتانة في نفسها إلا أنها خاطئة بالإضافة إلى مفروض الكلام وهو التخيير بين الأقل والأكثر، وذلك لأن ما فرضه صاحب الكفاية (قدس سره) وإن كان تخييرا بينهما صورة إلا أن من الواضح جدا أنه - بحسب الواقع والحقيقة - تخيير بين المتباينين، وذلك لفرض أن الماهية بشرط لا تباين الماهية بشرط شئ، فإذا فرض أن الأقل مأخوذ بشرط لا - كما هو مفروض كلامه لا محالة - يكون مباينا للأكثر المأخوذ بشرط شئ، ضرورة أن الماهية بشرط لا تباين الماهية بشرط شئ، فلا يكون التخيير بينهما من التخيير بين الأقل والأكثر بحسب الواقع والدقة العقلية، بل هو من التخيير بين المتباينين.
وعليه فما فرضه (قدس سره) من التخيير بينهما خارج عن محل الكلام، ولا إشكال في إمكانه، بل وقوعه خارجا في العرف والشرع، ومحل الكلام إنما هو فيما إذا كان الغرض مترتبا على وجود الأقل مطلقا، أي: ولو كان في ضمن الأكثر بأن يكون مأخوذا لا بشرط، ومن الواضح جدا أن التخيير بينهما في هذا الفرض غير معقول ضرورة أنه كلما تحقق الأقل يحصل به الغرض، ومعه يكون الأمر بالزائد لغوا محضا.
فالنتيجة قد أصبحت مما ذكرناه: أن الأقل إن كان مأخوذا بشرط لا فالتخيير بينه وبين الأكثر وإن كان أمرا معقولا إلا أنه - بحسب الواقع - داخل في كبرى التخيير بين المتباينين، لا الأقل والأكثر كما عرفت. وإن كان مأخوذا لا بشرط فلا يعقل التخيير بينه وبين الأكثر، ضرورة أنه بمجرد تحقق الأقل ولو في ضمن الأكثر يحصل الغرض، ومعه لا يبقى مجال للإتيان بالأكثر أصلا. فإذا جعله في أحد طرفي التخيير يصبح لغوا محضا فلا يصدر من الحكيم.