ويرد عليه: ما ذكرناه غير مرة من أنه يكفي في كون المسألة أصولية وقوعها في طريق الاستنباط وتعيين الوظيفة بأحد طرفيها وإن كانت لا تقع بطرفها الآخر، ضرورة أنه لو لم يكن ذلك كافيا في اتصاف المسألة بكونها أصولية بل يعتبر فيه وقوعها في طريق الاستنباط بطرفها الآخر أيضا للزم خروج عدة من المسائل الأصولية عن كونها أصولية:
منها: مسألة حجية خبر الواحد، فإنها لا تقع في طريق الاستنباط على القول بعدم حجيته، ولا يترتب عليها أي أثر شرعي على هذا القول.
ومنها: حجية ظواهر الكتاب، فإنه على القول بعدمها لا يترتب عليها أي أثر شرعي، وغيرهما من المسائل، مع أنه لا شبهة في كونها من المسائل الأصولية، بل هي من أهمها.
نتيجة ذلك هي: أن الملاك في كون المسألة أصولية وقوعها في طريق الاستنباط بنفسها، ولو باعتبار أحد طرفيها في مقابل ما ليس له هذا الشأن، وهذه الخاصة كمسائل بقية العلوم. والمفروض: أن مسألتنا هذه كذلك، فإنه يترتب عليها أثر شرعي، وهو صحة العبادة على القول بالجواز وتعدد المجمع وان لم يترتب أثر شرعي عليها على القول بالامتناع، وهذا يكفي في كونها مسألة أصولية.
وقد تبين لحد الآن: أن هذه المسألة كما أنها ليست مسألة فقهية كذلك ليست مسألة كلامية، ولا من المبادئ الأحكامية، ولا من المبادي التصديقية.
الخامس: أنها من المسائل الأصولية العقلية، وهذا هو الصحيح. فلنا دعويان:
الأولى: أنها مسألة عقلية ولا صلة لها بعالم اللفظ أبدا.
الثانية: أنها مسألة أصولية تترتب عليها نتيجة فقهية بلا واسطة.
أما الدعوى الأولى: فهي واضحة، ضرورة أن الحاكم باستحالة اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد وإمكانه إنما هو العقل، فإنه يدرك استحالة الاجتماع فيما إذا كان المجمع في مورد التصادق والاجتماع واحدا، وجوازه فيما إذا كان المجمع فيه متعددا.