الثالث: أنه إذا لم يثبت ترجيح لتقديم جانب الحرمة على الوجوب أو بالعكس فهل يمكن الحكم بصحة الصلاة في مورد الاجتماع على هذا القول - أعني القول بالامتناع - أم لا؟
فقد ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): أنه لا مانع من الحكم بالصحة - أي صحة الصلاة - من ناحية جريان أصالة البراءة عن حرمتها، ومعه لا مانع من الحكم بالصحة أصلا، ضرورة أن المانع عنه إنما هو الحرمة الفعلية، وبعد ارتفاع تلك الحرمة بأصالة البراءة فهي قابلة للتقرب بها، ومعه لا محالة تقع صحيحة، ولا يتوقف جريان البراءة عنها على جريانها في موارد الشك في الأجزاء والشرائط، بل ولو قلنا بعدم جريانها في تلك الموارد تجري في المقام.
والوجه في ذلك: هو أن المورد ليس داخلا في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، لفرض أنه ليس هنا شك في مانعية شئ عن المأمور به واعتبار عدمه فيه، بل الشك هنا في أن هذه الحركات الصلاتية التي هي مصداق للغصب وتصرف في مال الغير هل هي محرمة فعلا أو لا؟ فالشك إنما هو في حرمة هذه الحركات فحسب، ومعه لا مانع من جريان البراءة عنها وإن قلنا بالاشتغال في تلك المسألة.
نعم، المانعية في المقام عقلية، ضرورة أن مانعية الحرمة عن الصلاة ليست مانعية شرعية ليكون عدم حرمتها قيدا لها، بل مانعيتها من ناحية أن صحتها لا تجتمع مع الحرمة، لاستحالة اجتماع المبغوضية والمحبوبية في الخارج، وعلى هذا فالحرمة مانعة عن التقرب بها عقلا لا شرعا، فإذا لا يرجع الشك فيها إلى الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين ليكون داخلا في كبرى تلك المسألة، ويدور جريان البراءة هنا مدار جريانها فيها، بل تجري هنا ولو لم نقل بجريانها هناك، لأن الشك هنا شك بدوي.
نعم، لو قلنا بأن المفسدة الواقعية الغالبة هي المؤثرة في المبغوضية ولو لم تكن محرزة فأصالة البراءة - عندئذ - لا تجري، بل لا مناص من الالتزام بقاعدة