العبادة نيابة عن غيره، فهذا الأمر متعلق بعين ما تعلق به الأمر الاستحبابي، فإن الأمر الاستحبابي - كما عرفت - متعلق بإتيان العبادة نيابة عن الغير، والمفروض أن هذا الأمر الوجوبي متعلق بعين ذلك فلا فرق بينهما من هذه الناحية أبدا.
وعلى هذا، فلابد من الالتزام باندكاك أحد الأمرين في الآخر واتحادهما في الخارج، ضرورة أنه لا يمكن بقاء كلام الأمرين بحده بعد فرض كون متعلقهما واحدا وجودا وماهية، فلا محالة يندك أحدهما في الآخر ويتحصل منهما أمر واحد وجوبي عبادي، فإن كلا منهما يكتسب من الآخر جهة فاقدة له، فيكتسب الأمر الوجوبي من الأمر الاستحبابي جهة التعبد، ويكتسب الأمر الاستحبابي من الأمر الوجوبي جهة اللزوم، وهذا معنى اندكاك أحدهما في الآخر واتحادهما خارجا.
وقد تحصل من ذلك: أن الأمر الرابع يتحد مع الأمر الثالث، لاتحادهما بحسب الموضوع والمتعلق، ولا يعقل اتحاده مع الأمر الأول أو الثاني، لاختلافهما في الموضوع أو المتعلق كما عرفت.
ومن هنا يظهر: أن النائب يأتي بالعمل بداعي الأمر الناشئ من قبل الإجارة المتوجه إليه، لا بداعي الأمر المتوجه إلى المنوب عنه، ضرورة استحالة أن يكون الأمر المتوجه إلى شخص داعيا لشخص آخر بالإضافة إلى الإتيان بمتعلقه، فإن داعوية الأمر لشخص بالإضافة إلى ذلك إنما تكون فيما إذا كان ذلك الأمر متوجها إليه، وإلا فيستحيل أن يكون داعيا له، وهذا من الواضحات، ولا فرق في داعوية الأمر إليه بين أن يكون الإتيان بمتعلقه من قبل نفسه أو من قبل غيره كما في موارد الإجارة، لوضوح أن العبرة إنما هي بتوجه الأمر إلى شخص ليكون داعيا له إلى العمل، لا بكون متعلقه عمل نفسه أو عمل غيره، وهذا ظاهر.
ومن هنا قلنا: إن صحة الإجارة لا تتوقف على بقاء ذلك الأمر ليأتي النائب بالعمل بداعية، كما أنه لا يأتي به بداعي الأمر المتوجه إليه المتعلق بإتيان عباداته من قبل نفسه، بداهة استحالة أن يكون ذلك الأمر داعيا إلى الإتيان بمتعلقه من قبل غيره ونيابة عنه، بل هو داع إلى الإتيان به من قبل نفسه كما هو واضح.