ودعوى: أن التكلم وإن لم يكن تصرفا في الدار إلا أنه تصرف في الفضاء باعتبار أنه يوجب تموج الهواء فيه - والمفروض أن الفضاء ملك للغير كالدار فكما أن التصرف فيها غير جائز ومصداق للغصب، فكذلك التصرف فيه - خاطئة جدا وغير مطابقة للواقع قطعا، وذلك لأن الفضاء وإن كان ملكا للغير والتصرف فيه غير جائز بدون إذن صاحبه إلا أن التكلم كما أنه لا يكون تصرفا في الدار كذلك لا يكون تصرفا في الفضاء، ضرورة أنه لا يصدق عليه أنه تصرف فيه.
وعلى تقدير صدق التصرف عليه عقلا فلا يصدق عرفا بلا شبهة. ومن المعلوم أن الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير منصرفة عن مثل هذا التصرف فلا تشمله أصلا. لأنها ناظرة إلى المنع عما يكون تصرفا عند العرف، وما لا يكون تصرفا عندهم فلا تشمله وإن كان تصرفا بنظر العقل: كمسح حائط الغير باليد - مثلا - فإنه ليس تصرفا عند العرف، ولذا لا تشمله الأدلة، فلا يكون محكوما بالحرمة وإن كان تصرفا عند العقل.
والحاصل: أن التكلم في الدار المغصوبة ليس تصرفا فيها ولا في فضائها، لا عقلا ولا عرفا أولا. وعلى فرض كونه تصرفا فيه عقلا فلا ريب في أنه ليس تصرفا عرفا، ومعه لا يكون مشمولا لتلك الأدلة ثانيا.
ومن هنا لو نصب أحد مروحة في مكان توجب تموج الهواء في فضاء الغير فلا يقال: إنه تصرف في ملك الغير، وهذا واضح.
ومن ذلك يظهر حال جميع أذكار الصلاة: كالقراءة ونحوها، ضرورة أن الغصب لا يصدق عليها.
وبكلمة أخرى: أن الغصب هنا منتزع من ماهية مباينة لماهية التكلم في الخارج، فإن الغصب في المقام منتزع من الكون في الدار، وهو من مقولة الأين، والتكلم من مقولة الكيف المسموع، فيستحيل اتحادهما في الخارج واندراجهما تحت مقولة واحدة.
فالنتيجة: أن التكبيرة وما شاكلها غير متحدة مع الغصب خارجا.