المعلوم أنه لا مانع من مثل هذا الجعل أصلا، بل هو مما تقتضيه المصلحة العامة كما في القضايا الحقيقية، والمصلحة الخاصة كما في القضايا الخارجية، ضرورة أن الغرض من جعل هذه الأمور: هو عدم تحقق موضوعها في الخارج، فإذا فرض أن المولى علم بأن جعلها يوجب عدم تحقق موضوعها فيه مطلقا فهو أولى بالجعل مما لم يعلم المولى أنه يوجبه.
فالنتيجة: أنه لا شبهة في إمكان ذلك، بل في وقوعه خارجا في العرف والشرع.
وعلى الثاني - وهو ما إذا كان انتفاء الشرط من غير ناحية اقتضاء الجعل له - فهو لغو محض فلا يصدر من المولى الحكيم مثل: أن يأمر بركعتين من الصلاة - مثلا - على تقدير الصعود إلى السماء، أو على تقدير اجتماع الضدين، أو نحو ذلك، أو أن يأمر بوجوب الحج على تقدير الاستطاعة في الخارج مع علمه فرضا بعدم تحققها فيه أصلا... وهكذا، فإنه لا شبهة في أن جعل مثل هذا الحكم لغو صرف فلا يترتب عليه أي أثر شرعي، ومعه يستحيل صدوره منه.
ومن هنا يظهر: أن ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أن هذه المسألة باطلة من رأسها وليس فيها معنى معقول ليبحث عنه لا يتم، وذلك لأن النزاع في هذه المسألة لو كان في دخل علم الآمر بوجود الموضوع أو بعدم وجوده في فعلية الحكم وعدم فعليته لكان ما أفاده (قدس سره) في غاية الصحة والمتانة، وذلك لما عرفت: من أن فعلية الحكم في القضايا الحقيقية تدور مدار فعلية موضوعه وتحققه في الخارج، ولا دخل لعلم الآمر بوجوده أو بعدمه في ذلك أصلا. فإذا لا معنى للنزاع فيه كما هو واضح، إلا أنك عرفت أن النزاع في المسألة ليس في هذا، بل هو فيما ذكرناه:
من أن جعل الحكم في القضية الحقيقية للموضوع المقدر وجوده مع علم الجاعل بعدم تحقق الموضوع في الخارج أصلا هل يجوز أم لا؟
ومن الظاهر أن النزاع في هذا نزاع في معنى معقول، غاية الأمر أن جعل الحكم عندئذ لغو محض فلا يترتب عليه أثر، ولكن من المعلوم أن هذا لا يوجب عدم كون النزاع في معنى معقول.