وبكلمة أخرى: أن الأحكام الشرعية ليست تابعة للمنافع والمضار، وإنما هي تابعة لجهات المصالح والمفاسد في متعلقاتها. ومن المعلوم أن المصلحة ليست مساوقة للمنفعة، والمفسدة مساوقة للمضرة. ومن هنا تكون في كثير من الواجبات مضرة مالية: كالزكاة والخمس والحج ونحوها، وبدنية: كالجهاد وما شاكله.
كما أن في عدة من المحرمات منفعة مالية أو بدنية، مع أن الأولى تابعة لمصالح كامنة فيها، والثانية تابعة لمفاسد كذلك، فإذا لا موضوع لهذه القاعدة بالإضافة إلى الأحكام الشرعية أصلا.
الثاني: أن وظيفة المكلف عقلا إنما هي الإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرمات بعد ثبوت التكليف شرعا، وأما دفع المفسدة بما هي أو استيفاء المصلحة كذلك فليس بواجب، لا عقلا ولا شرعا. فلو علم المكلف بوجود مصلحة في فعل أو بوجود مفسدة في آخر مع عدم العلم بثبوت التكليف من قبل الشارع لا يجب عليه استيفاء الأولى، ولا دفع الثانية، وأما مع العلم بثبوته فالواجب عليه هو امتثال ذلك التكليف لا غيره، فالواجب بحكم العقل على كل مكلف إنما هو أداء الوظيفة وتحصيل الأمن من العقاب، لا إدراك الواقع بما هو، واستيفاء المصالح ودفع المفاسد.
وعلى هذا، فلا يمكن ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب من ناحية هذه القاعدة، بل لابد من الرجوع إلى مرجحات وقواعد اخر لتقديم أحدهما على الآخر إن كانت، وإلا فيرجع إلى الأصول العملية.
ومن الغريب ما صدر عن المحقق القمي في المقام، حيث إنه أجاب عن هذا الدليل بأنه مطلقا ممنوع، لأن في ترك الواجب أيضا مفسدة، فإذن لا يدور الأمر بين دفع المفسدة وجلب المنفعة، بل يدور الأمر بين دفع هذه المفسدة وتلك (1).
ووجه الغرابة واضح، ضرورة أنه لا مفسدة في ترك الواجب، كما أنه لا مصلحة في ترك الحرام، فالمصلحة في فعل الواجب من دون أن تكون في تركه