ومن الطبيعي أن تصرفه في الحالة الثانية وبهيئة أخرى في مكان آخر، أو في نفس المكان الأول بمقدار تحيزه في الحالة الأولى وبالهيئة السابقة دون الزائد، لوضوح أن مقدار تحيز الجسم المكان لا يختلف باختلاف أوضاعه وأشكاله لا عقلا ولا عرفا كما هو واضح.
نعم، لو كان البقاء فيها على حالة واحدة محرما بحرمة واحدة في تمام الآنات والأزمنة لكان الالتزام بما أفاده (قدس سره) مما لابد منه. وعليه، فلابد من الحكم بحرمة كل حركة فيها والاقتصار على حالة واحدة في تمام آنات البقاء، ولكن قد عرفت أنه مجرد فرض لا واقع له أصلا.
وعلى ضوء هذا البيان قد تبين: أنه ليست الصلاة مع الركوع والسجود تصرفا زائدا على الصلاة مع الإيماء والإشارة.
ومما يشهد على ذلك: أن العرف لا يرون أن المصلي في الأرض المغصوبة إذا كان على وضع الراكع أو الساجد يكون تصرفه فيها أزيد مما إذا كان على غير هذا الوضع وغير هذا الشكل كما هو واضح.
فالنتيجة: أن وظيفته هي الصلاة مع الركوع والسجود فيها، دون الصلاة مع الإيماء.
وممن اختار هذا القول في المسألة صاحب الجواهر (قدس سره)، حيث قال في بحث مكان المصلي ما إليك نصه: (تصح منه صلاة المختار، ضرورة عدم الفرق بينه وبين المأذون في الكون بعد اشتراكهما في إباحته وحليته. نعم، لو استلزمت الصلاة تصرفا زائدا على أصل الكون لم يجز، لعدم الإذن فيه، لا ما إذا لم تستلزم، فإنها - حينئذ - أحد أفراد الكون الذي فرض الإذن فيه، على أن القيام والجلوس والسكون والحركة وغيرها من الأحوال متساوية في شغل الحيز، وجميعها أكوان، ولا ترجيح لبعضها على بعض، فهي في حد سواء في الجواز، وليس مكان الجسم حال القيام أكثر منه حال الجلوس.
نعم، يختلفان في الطول والعرض، إذ الجسم لا يحويه الأقل منه، ولا يحتاج إلى أكثر مما يظرفه، كما هو واضح بأدنى تأمل).