نعم، يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الإرشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل، أو ملازم لما هو الأرجح وأكثر ثوابا لذلك. وعليه، يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز، فلا تغفل (1).
توضيح ما أفاده (قدس سره): هو أن الكراهة في هذه الموارد ليست كراهة مصطلحة وهي التي تنشأ عن مفسدة في الفعل وحزازة ومنقصة فيه، فإن الكراهة في المقام لو كانت كراهة مصطلحة ناشئة عن مفسدة في الفعل غالبة على مصلحته لم يقع الفعل في الخارج صحيحا، ضرورة عدم إمكان التقرب بما هو مبغوض للمولى ومشتمل على مفسدة غالبة، مع أنه لا شبهة في وقوعه صحيحا وإمكان التقرب به، غاية الأمر أن تركه أرجح من فعله. مثلا: لا شبهة في صحة الصوم يوم عاشوراء، وأنه قابل لأن يتقرب به، محبوب للمولى في نفسه، وليس النهي المتعلق به ناشئا عن مفسدة ومبغوضية فيه، ضرورة أنه لو كان ناشئا عنها لخرج عن قابلية التقرب، ولا يمكن الحكم بصحته أبدا، لوضوح أنه لا يمكن التقرب بما هو مبغوض للمولى، بل هو ناش عن رجحان تركه الطبيعة المأمور بها مع بقاء الفعل على ما هو عليه من المصلحة والمحبوبية كما يظهر من مداومة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) على ذلك.
وعليه، فلا محالة يكون هذا الرجحان: إما من ناحية انطباق عنوان ذي مصلحة عليه، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وإن كانت مصلحة الترك غالبة على مصحلة الفعل، حيث إنه في نفسه محبوب ومشتمل على مصلحة موافقة لغرض المولى، فالصوم يوم عاشوراء كبقية أفراد الصوم.
ولكن بما أن بني أمية - عليهم اللعنة - التزموا بصوم هذا اليوم شكرا وفرحا من الانتصار الظاهر المزعوم فتركه فيه مخالفة لهم، وهي مطلوبة للشارع، ولأجل انطباق هذا العنوان - أعني: عنوان المخالفة - على هذا الترك يكون ذا مصلحة غالبة على مصحلة الفعل. فإذن يكون الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين،