ولعل منشأها هو الغفلة عن تحليل نقطة واحدة، وهي: عدم الفرق بين كون المكلف في الأرض المغصوبة على هيئة واحدة وكونه على هيئات متعددة.
وتخيل أنه إذا كان على هيئة واحدة فهو مرتكب لحرام واحد، وإذا كان على هيئات متعددة كأن يكون راكعا مرة وساجدا مرة أخرى فهو مرتكب لمحرمات متعدده، ولأجل ذلك لا محالة وجب الاقتصار فيها على هيئة واحدة، فإن الضرورة تتقدر بقدرها فلا يجوز ارتكاب الزائد.
ولكن من المعلوم أن هذا مجرد خيال لا واقع له أبدا، وذلك لأن كون المكلف فيها على هيئة واحدة في كل آن وزمن تصرف في الأرض ومحرم، لا أن كونه عليها في جميع الآنات والأزمنة تصرف واحد ومحكوم بحكم واحد لتكون الحركة فيها تصرفا زائدا. ومن الواضح جدا أنه لا فرق في ذلك بين نظر العقل ونظر العرف، فكما أن الكون في الأرض المغصوبة في كل آن تصرف فيها ومحرم بلا فرق بين أن يكون في ضمن هيئة واحدة أو هيئات متعددة بنظر العقل فكذلك الكون فيها في كل آن تصرف ومحرم كذلك بنظر العرف.
وبكلمة أخرى: أن جعل الركوع والسجود تصرفا زائدا مبني على ما ذكرناه من الخيال الخاطئ، وهو: أن بقاء الإنسان في الأرض المغصوبة على حالة واحدة وهيئة فاردة من القيام أو القعود تصرف واحد بنظر العرف. وأما إذا اشتغل بالركوع أو السجود فهو تصرف زائد غفلة عن أن بقاءه على تلك الحالة الواحدة حرام في كل آن، ضرورة أنه في كل آن تصرف في مال الغير بدون إذنه.
كما أن انتقاله من هذه الحالة والهيئة إلى حالة أخرى وهيئة ثانية حرام، وليس هذا تصرفا زائدا على بقائه على الحالة الأولى، ضرورة أنه على الفرض لم يجمع بين الحالتين في مكانين لتكون الحالة الثانية تصرفا زائدا، غاية الأمر أنه تصرف في الحالة الأولى في مكان، وفي الحالة الثانية في مكان آخر، أو أنه تصرف في كلتا الحالتين في مكان واحد وفضاء فارد، فإن التصرف في مكان واحد قد يكون بهيئة واحدة ووضع فارد، وقد يكون بهيئات متعددة وأوضاع مختلفة.