فالنتيجة: أن الخروج ليس من مصاديق قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار.
الثاني: أن محل الكلام في هذه القاعدة إنما هو فيما إذا كان ملاك الوجوب تاما في ظرفه ومطلقا، أي: من دون فرق في ذلك: بين أن تكون مقدمته الإعدادية موجودة في الخارج أو غير موجودة، وأن يكون وجوبه مشروطا بمجئ زمان متعلقه أولا، وذلك: كوجوب الحج فإنه وإن كان مشروطا بمجئ يوم عرفة بناء على استحالة الواجب المعلق إلا أن ملاكه يتم بتحقق الاستطاعة كما هو مقتضى قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " (1)، فإنه ظاهر في أن ملاك وجوبه في ظرفه صار تاما بعد تحقق الاستطاعة، ولا يتوقف على مجئ زمان متعلقه وهو يوم عرفة.
وعليه، فمن ترك المسير إلى الحج بعد وجود الاستطاعة يستحق العقاب على تركه وإن امتنع عليه الفعل عندئذ في وقته، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. وكذا من ألقى نفسه من شاهق فإنه يستحق العقاب عليه، هذا هو الملاك في جريان هذه القاعدة.
ومن المعلوم أن هذا الملاك غير موجود في المقام، بل هو في طرف النقيض مع مورد القاعدة، وذلك لأن الخروج قبل الدخول في الدار المغصوبة لم يكن مشتملا على الملاك، فالدخول فيها من المقدمات التي لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم فيه، ضرورة أن الداخل فيها هو الذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره، فإذا لا يمكن أن يكون الخروج داخلا في موضوع القاعدة.
وعلى الجملة: فمورد القاعدة - كما عرفت - ما إذا كان ملاك الحكم تاما مطلقا، أي: سواء أوجد المكلف مقدمته الوجودية أم لم يوجد: كوجوب الحج - مثلا - فإن ملاكه تام بعد تحقق الاستطاعة وإن لم يوجد المكلف مقدمته