فالصحيح: هو ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): من أنه لا وجه لتقديم الإطلاق الشمولي على البدلي، وذلك لأن ثبوت كلا الإطلاقين يتوقف على جريان مقدمات الحكمة وتماميتها على الفرض، ضرورة أنه لا مزية لأحدهما بالإضافة إلى الآخر من هذه الناحية أصلا، فإذا الحكم بجريان مقدمات الحكمة في طرف المطلق الشمولي دون المطلق البدلي ترجيح من غير مرجح، وعليه فيسقط كلا الإطلاقين معا، بمعنى: أن مقدمات الحكمة لا تجري في طرف هذا، ولا في طرف ذاك، وهذا معنى سقوطهما بالمعارضة. ومجرد كون الإطلاق في أحدهما شموليا وفي الآخر بدليا لا يكون سببا للترجيح بعد ما كان الإطلاق فيه أيضا شموليا بالدلالة الالتزامية كما عرفت.
نعم، العموم الوضعي يتقدم على المطلق، سواء كان شموليا أو بدليا.
والوجه فيه واضح، وهو: أن سراية لفرض الحكم (1) في العموم الوضعي إلى جميع أفراده لا تتوقف على جريان مقدمات الحكمة وأنها فعلية، لأنها معلولة للوضع لا لتلك المقدمات، وهذا بخلاف إطلاق المطلق، فإنه معلول لإجراء تلك المقدمات، وبدون إجرائها لا إطلاق له أصلا. وعلى ذلك فالعام بنفسه صالح لأن يكون قرينة على التقييد، ومعه لا تجري المقدمات، إذ من المقدمات عدم نصب قرينة على الخلاف. ومن المعلوم أن العام صالح لذلك. ومن هنا قالوا: إن دلالة العام تنجيزية ودلالة المطلق تعليقية.
فالنتيجة قد أصبحت مما ذكرناه: أن مجرد كون الإطلاق في طرف النهي شموليا وفي طرف الأمر بدليا لا يكون سببا لتقديمه عليه إذا لم يكن العموم والشمول مستندا إلى الوضع، فإذا هذا الوجه باطل.
ومنها: أن الحرمة تابعة للمفسدة الملزمة في متعلقه، والوجوب تابع للمصلحة كذلك في متعلقه. هذا من ناحية.