وأما بحسب مقام الإثبات فلا شبهة في أن إرادة كل من الصور الثلاث الأخيرة من الأمر المتعلق بطبيعة تحتاج إلى عناية زائدة ونصب قرينة تدل على إرادته. وأما إذا لم تكن قرينة على إرادة إحدى هذه الصور فإطلاقه في مقام الإثبات بمقتضى الفهم العرفي وارتكازهم كان قرينة عامة على أن المراد منه هو الصورة الأولى، وأن المصلحة قائمة بصرف الوجود.
والسر في ذلك: هو أن متعلق الأمر بما أنه كان الطبيعة المهملة فلا محالة لا يدل إلا على إيجادها في الخارج. ومن المعلوم أن إيجادها يتحقق بأول وجودها، إلا أن تقوم قرينة على إرادة المتعدد منها، أو خصوصية أخرى.
وأما متعلق النهي فهو وإن كان تلك الطبيعة المهملة، إلا أنه لما كان يدل على مبغوضية وجودها في الخارج بلا قرينة على التقييد بالوجود الأول، أو بمجموع الوجودات فلا محالة مقتضى الإطلاق هو: مبغوضية كل وجود منها. فهذا هو السر في افتراق كل من الأمر والنهي عن الآخر.
فالنتيجة: هي أن الأمر لا يدل إلا على اعتبار صرف وجود الطبيعة في ذمة المكلف، من دون الدلالة على خصوصية زائدة عليه.
ومن هنا قلنا في بحث المرة والتكرار: إنهما خارجان عن مفاد الأمر مادة وهيئة، فهو كما لا يدل عليهما في الأفراد الطولية كذلك لا يدل على الوحدة والتعدد في الأفراد العرضية (1).
وأما سبب الاكتفاء بالمرة - في مقام الامتثال - فهو من جهة انطباق الطبيعة المأمور بها عليها، لا من جهة دلالة الأمر على المرة، وهذا واضح.
وخلاصة هذا الفرق بين الأمر والنهي: هي أن المصلحة في طرف الأمر قائمة بصرف وجود الطبيعة ما لم تقم قرينة على الخلاف، ولأجل ذلك لا ينحل الأمر بانحلال أفراد الطبيعة في الواقع.