وعلى ضوء هذا البيان إن أراد القائل باستحالة التخيير بينهما: التخيير على النحو الأول الذي هو تخيير شكلي بينهما لا واقعي موضوعي فيرده ما ذكرناه: من أنه لا شبهة في إمكانه، بل وقوعه خارجا، لما عرفت من أنه ليس تخييرا بين الأقل والأكثر، بل هو تخيير في الحقيقة بين المتباينين. وإن أراد باستحالة التخيير بينهما التخيير على النحو الثاني فالأمر كما ذكره.
ومن هنا يظهر أن التخيير بين القصر والتمام في الأمكنة الأربعة ليس تخييرا بين الأقل والأكثر واقعا وحقيقة وإن كان كذلك بحسب الشكل، وذلك لأن صلاة القصر مشروطة شرعا بالتسليمة في الركعة الثانية وعدم زيادة ركعة أخرى عليها، وصلاة التمام مشروطة شرعا بالتسليمة في الركعة الرابعة وعدم الاقتصار بها، فهما من هذه الناحية - أي: من ناحية اعتبار الشارع - ماهيتان متباينتان، فالتخيير بينهما - لا محالة - يكون من التخيير بين أمرين متباينين لا الأقل والأكثر، ضرورة أن الأثر لا يترتب على الركعتين مطلقا ولو كانتا في ضمن أربع ركعات، وإنما يترتب عليهما بشرط لا، وهذا واضح. وأما التسبيحات الأربع فالمستفاد من الروايات هو وجوب إحداها لا جميعها (1). فإذا لا يعقل التخيير بين الواحدة والثلاث، ضرورة أن الغرض مترتب على واحدة منها، فإذا تحققت تحقق الغرض، ومعه لا يبقى مجال للإتيان بالبقية أصلا.
نعم، الإتيان بها مستحب، فإذا أتى المكلف بثلاث فقد أتى بواجب ومستحب.
وعلى الجملة: فحال التسبيحتين الأخيرتين حال القنوت وبقية الأذكار المستحبة في الصلاة.
وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه: أن التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول وما نراه من التخيير بينهما في العرف والشرع تخيير شكلي لا واقعي موضوعي، فإن بحسب الواقع ليس التخيير بينهما، بل بين أمرين متباينين كما مر.