لحد الآن قد تبين: أن ما أفاده (قدس سره) في هذه المقدمة من الثمرة لا يمكن إتمامه بدليل، بل لا يترقب صدوره من مثله (قدس سره).
وبعد ذلك نقول: إن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) قد اختار في المسألة القول بالامتناع، ورتب ذلك القول على بيان مقدمات:
الأولى: ما لفظه: أنه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان وإن لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الإنشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال، بل من جهة أنه بنفسه محال. فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (1).
ملخص هذه المقدمة: هو أن المضادة والمعاندة بين الأحكام الخمسة إنما هي في مرتبة فعليتها وبلوغ تلك الأحكام حد البعث والزجر الحقيقيين، فلا مضادة بينها في مرتبة الإنشاء فضلا عن مرتبة الاقتضاء، واستحالة الجمع بين اثنين منها في هذه المرتبة في شئ واحد في زمان من باب استحالة اجتماع الضدين، فلذا لا تختص بمذهب دون آخر، بل هو محال مطلقا حتى على مذهب الأشعري المجوز للتكليف بالمحال، فإن هذا في نفسه محال.
الثانية: ما نصه: أنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام هو فعل المكلف، وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله، ولا ما هو اسمه - وهو واضح - ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شئ خارجا، ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات، ضرورة أن البعث ليس نحوه، والزجر لا يكون عنه، وإنما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ